تفسير ابن عاشور

تفسير الآية رقم 62 من سورة مريم

لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62) وجملة لا يسْمعُونَ فيها لغْواً } حال من { عبَادَه }.
واللغو : فضول الكلام وما لا طائل تحته . وإنفاؤه كناية عن انتفاء أقل المكدرات في الجنة ، كما قال تعالى : { لا تسمع فيها لاغية } [ الغاشية : 11 ] ، وكناية عن جعل مجازاة المؤمنين في الجنة بضد ما كانوا يلاقونه في الدنيا من أذى المشركين ولغوهم .
وقوله { إلاَّ سلاما } استثناء منقطع وهو مجاز من تأكيد الشيء بما يشبه ضدّه كقول النّابغة :
ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب
أي لكن تسمعون سلاماً . قال تعالى : { تحيتهم فيها سلام } [ إبراهيم : 23 ] وقال { لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً إلا قيلاً سلاماً سلاماً } [ الواقعة : 25 ، 26 ].
والرزق : الطعام .
وجيء بالجملة الاسمية للدلالة على ثبات ذلك ودوامه ، فيفيد التكرر المستمر وهو أخص من التكرر المفاد بالفعل المضارع وأكثر . وتقديم الظرف للاهتمام بشأنهم ، وإضافة رزق إلى ضميرهم لزيادة الاختصاص .
والبُكرة : النصف الأول من النهار ، والعَشي : النصف الأخير ، والجمع بينهما كناية عن استغراق الزمن ، أي لهم رزقهم غير محصور ولا مقدّر بل كلما شاءوا فلذلك لم يذكر اللّيل .