تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 67 من سورة مريم
أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67)
وجملة { أو لا يذكر الإنسان } معطوفة على جملة { يقول الإنسان } ، أي يقول ذلك ومن النكير عليه أنّه لا يتذكّر أنا خلقناه من قبل وجوده .
والاستفهام إنكار وتعجيب من ذهول الإنسان المنكر البعث عن خلقه الأول .
وقرأ الجمهور { أو لا يذْكُر بسكون الذال وضمّ الكاف من الذُكر بضم الذال . وقرأه أبو جعفر بفتح الذال وتشديد الكاف على أن أصله يتَذكر فقلبت التاء الثانية ذالاً لقرب مخرجيهما .
والشيء : هو الموجود ، أي إنا خلقناه ولم يك موجوداً .
و ( قَبْلُ ) من الأسماء الملازمة للإضافة . ولما حذف المضاف إليه واعتبر مضافاً إليه مجملاً ولم يراع له لفظ مخصوص تقدّم ذكره بنيت ( قبلُ ) على الضمّ ، كقوله تعالى : { لله الأمر من قبل ومن بعد } [ الروم : 40 ].
والتقدير : إنا خلقناه من قبل كلّ حالة هو عليها ، والتقدير في آية سورة الروم : لله الأمر من قبللِ كل حَدث ومِن بعده .
والمعنى : الإنكار على الكافرين أن يقولوا ذلك ولا يتذكروا حال النشأة الأولى فإنها أعجب عند الذين يَجرون في مداركهم على أحكام العادة ، فإن الإيجاد عن عدم من غير سبق مثال أعجبُ وأدعى إلى الاستبعاد من إعادة موجودات كانت لها أمثلة . ولكنها فسدت هياكلها وتغيرت تراكيبها . وهذا قياس على الشاهد وإن كان القادر سواءً عليه الأمران .