تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 112 من سورة طه
وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112)
وجملة ومَن يعمل من الصالحات وهو مؤمنٌ } الخ : شرطية مفيدة قسيم مضمون جملة { وقَدْ خَابَ من حَمَل ظُلماً }. وصيغ هذا القسيم في صيغة الشرط تحقيقاً للوعد ، و { فلا يخاف جواب الشرط ، واقترانه بالفاء علامة على أن الجملة غير صالحة لموالاة أداة الشرط ، فتعين؛ إما أن تكون ( لا ) التي فيها ناهية ، وإما أن يكون الكلام على نيّة الاستئناف . والتقدير : فهو لا يخاف .
وقرأ الجمهور فلا يخاف بصيغة المرفوع بإثبات ألف بعد الخاء ، على أن الجملة استئناف غير مقصود بها الجزاء ، كأن انتفاء خوفه أمر مقرر لأنه مؤمن ويعمل الصالحات . وقرأه ابن كثير بصيغة الجزم بحذف الألف بعد الخاء ، على أن الكلام نهي مستعمل في الانتفاء . وكتبت في المصحف بدون ألف فاحتملت القراءتين . وأشار الطيبي إلى أن الجمهور توافق قوله تعالى : وقد خاب من حمل ظلماً في أن كلتا الجملتين خبرية . وقراءة ابن كثير تفيد عدم التردد في حصول أمنه من الظلم والهضم ، أي في قراءة الجمهور خصوصية لفظية وفي قراءة ابن كثير خصوصية معنوية .
ومعنى لا يخاف ظلماً } لا يخاف جزاء الظالمين لأنّه آمن منه بإيمانه وعمله الصالحات .
والهضم : النقص ، أي لا ينقصون من جزائهم الذي وُعدوا به شيئاً كقوله { وإنّا لموفُّوهم نصيبهم غير منقوص } [ هود : 109 ].
ويجوز أن يكون الظلم بمعنى النقص الشديد كما في قوله { ولم تَظْلم منه شيئاً } [ الكهف : 33 ] ، أي لا يخاف إحباط عمله ، وعليه يكون الهضم بمعنى النقص الخفيف ، وعطفه على الظلم على هذا التفسير احتراس .