تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 43 من سورة طه
اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) يجوز أن يكون انتقال إلى خطاب موسى وهارون . فيقتضي أن هارون كان حاضراً لهذا الخطاب ، وهو ظاهر قوله بعده { قالا ربنا إننا نخاف >اذهبآ إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى * فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى } [ طه : 45 ] ، وكان حضور هارون عند موسى بوحي من الله أوحاه إلى هارون في أرض «جاسان» حيث منازل بني إسرائيل من أرض قرب ( طِيبة ). قال في التّوراة في الإصحاح الرابع من سفر الخروج «وقال ( أي الله ) ها هو هارون خارجاً لاستقبالك فتكلمه أيضاً» . وفيه أيضاً «وقال الرب لهارون اذهب إلى البرية لاستقبال موسى فذهب والتقيا في جبل الله» أي جبل حُوريب ، فيكون قد طُوي ما حدث بين تكليم الله تعالى موسى في الوادي عند النار وما بين وصول موسى مع أهله إلى جبل ( حوريب ) في طريقِه إلى أرض مصر ، ويكون قوله { قالا ربنا إننا نخاف } الخ ، جواباً عن قول الله تعالى لهما : { اذهب إلى فرعون الخ . ويكون فصل جملة قالا ربنا إننا نخاف الخ لوقُوعها في أسلوب المحاورة .
ويجوز أن تكون جملة اذْهَبَا إلى فِرْعَونَ } بدلاً من جملة { اذْهَب أنتَ وأخوك } [ طه : 42 ] ، فيكون قوله { اذهبا أمراً لموسى بأن يذهب وأن يأمر أخاه بالذهاب معه وهارون غائب ، وهذا أنسب لسياق الجُمل ، وتكون جملة قالا ربنا إننا نخاف مستأنفة استئنافاً ابتدائياً ، وقد طوي ما بين خطاب الله موسى وما بين حكاية قالا ربنا إننا نخاف الخ . والتقدير : فذهب موسى ولقي أخاه هارون ، وأبلغه أمر الله له بما أمره ، فقالا ربّنا إننا نخاف الخ .
وجملة إنَّهُ طغى } تعليل للأمر بأن يذهبا إليه . فعُلم أنه لقصد كفّه عن طغيانه .
وفعل { طغى } رسم في المصحف آخره ألفاً مُمالة ، أي بصورة الياء للإشارة إلى أنّه من طَغِي مثل رَضي . ويجوز فيه الواو فيقال : يطغو مثل يدعو .
والقول الليّنُ : الكلام الدال على معاني الترغيب والعرض واستدعاء الامتثال ، بأن يظهر المتكلّم للمخاطب أنّ له من سداد الرأي ما يتقبّل به الحق ويميّز به بين الحق والباطل مع تجنب أن يشتمل الكلام على تسفيه رأي المخاطب أو تجهيله .
فشبه الكلام المشتمل على المعاني الحسنة بالشيء الليّننِ .
واللين ، حقيقة من صفات الأجسام ، وهو : رطوبة ملمس الجسم وسهولة ليّه ، وضد الليّن الخشونة . ويستعار الليّن لسهولة المعاملة والصفح . وقال عمرو بن كلثوم :
فإن قناتنا يا عَمْرو أعيَت ... على الأعداءِ قبلَكَ أن تلينا