تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 56 من سورة الأنبياء
قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56) وقوله تعالى : { وأنا على ذلكم من الشاهدين } إعلام لهم بأنه مُرسل من الله لإقامة دين التوحيد لأن رسول كلّ أمة شهيد عليها كما قال تعالى : { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً } [ النساء : 41 ] ، ولم يكن يومئذ في قومه من يشهد ببطلان إلهية أصنامهم ، فتعين أن المقصود من الشاهدين أنه بعض الذين شهدوا بتوحيد الله بالإلهية في مختلف الأزمان أو الأقطار . ويحتمل معنى التأكيد لذلك بمنزلة القَسَم ، كقول الفرزدق :
شهد الفرزدق حين يلقى ربه ... أن الوليد أحقُّ بالعذر
ثم انتقل إبراهيم عليه السلام من تغيير المنكر بالقول إلى تغييره باليد معلناً عزمه على ذلك بقوله : { وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين } مؤكداً عزمه بالقسم ، فالواو عاطفة جملة القسم على جملة الخبر التي قبلها .
والتاء تختص بقسممٍ على أمر متعجب منه وتختص باسم الجلالة . وقد تقدم عند قوله تعالى : { قالوا تالله تفتؤ تذكر يوسف } [ يوسف : 85 ].