تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 111 من سورة آل عمران
استئناف نشأ عن قوله { وأكثرهم الفاسقون } [ آل عمران : 110 ] لأن الإخبار عن أكثرهم بأنَّهم غير مؤمنين يؤذن بمعادَاتهم للمؤمنين ، وذلك من شأنه أن يوقع في نفوس المسلمين خشية من بأسهم ، وهذا يختصّ باليهود ، فإنَّهم كانوا منتشرين حيال المدينة في خيبر ، والنضير ، وقينقاع ، وقريظة ، وكانوا أهل مكر ، وقوة ، ومال ، عُدّة ، والمسلمون يومئذٍ في قلّة فطمأن الله المسلمين بأنَّهم لا يخشون بأس أهل الكتاب ، ولا يخشون ضُرّهم ، لكن أذاهُم .
أمَّا النصّارى فلا ملابسة بينهم وبين المسلمين حتَّى يخشوهم . والأذى هو الألم الخفيف وهو لا يبلغ حد الضرّ الَّذي هو الألم ، وقد قيل : هو الضرّ بالقول ، فيكون كقول إسحاق بن خلف
: ... أخشىَ فَظاظة عمّ أو جَفاء أخٍ
وكُنتُ أبقى عليها من أذى الكَلِم ... ومعنى { يولّوكم الأدبار } يفرّون منهزمين .
وقوله { ثم لا ينصرون } احتراس أي يولوكم الأدبار تولية منهزمين لا تولية متحرّفين لقتال أو متحيّزين إلى فئة ، أو متأمّلين في الأمر . وفي العدول عن جعله معطوفاً على جملة الجواب إلى جعله معطوفاً على جملتي الشرط وجزائه معاً ، إشارة إلى أنّ هذا ديدنهم وهجيراهم . لو قاتلوكم ، وكذلك في قتالهم غيركم .
وثمّ لترتيب الإخبار دالّة على تراخي الرتبة . ومعنى تراخي الرتبة كون رتبة معطوفها أعظم من رتبة المعطوف عليه في الغرض المسوق له الكلام . وهو غير التّراخي المجازي ، لأن التّراخي المجازي أن يشبَّه ما ليس بمتأخّر عن المعطوف بالمتأخّر عنه .
وهذا كلّه وعيد لهم بأنهم سيقاتلون المسلمين ، وأنّهم ينهزمون ، وإغراء للمسلمين بقتالهم .