تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 29 من سورة الروم
بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29)
إضراب إبطالي لما تضمنه التعريض الذي في قوله { كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون } [ الروم : 28 ] إذ اقتضى أن الشأن أن ينتفع الناس بمثل هذا المثل فيُقلع المشركون منهم عن إشراكهم ويَلِجُوا حظيرة الإيمان ، ولكنهم اتبعوا أهواءهم وما تسوله لهم نفوسهم ولم يطلبوا الحق ويتفهموا دلائله فهم عن العلم بمنأى . فالتقدير : فما نفعتهم الآيات المفصلة بل اتبعوا أهواءهم .
و { الذين ظلموا : المشركون إن الشرك لظلم عظيم } [ لقمان : 13 ] وتقييد اتباع الهوى بأنه بغير علم تشنيع لهذا الاتباع فإنه اتباع شهوة مع جهالة ، فإن العالم إذا اتبع الهوى كان متحرزاً من التوغل في هواه لعلمه بفساده ، وليس ما هنا مماثلاً لقوله تعالى { ومن أضل مِمنّ اتبع هواه بغير هدىً من الله } [ القصص : 50 ] في أنه قيد كاشف من حيث إن الهوى لا يكون إلا ملتبساً بمغايرة هدى الله .
والفاء في { فَمَن يهدي } للتفريع ، أي يترتب على اتباعهم أهواءهم بغير علم انتفاء الهدى عنهم أبداً . و { مَن } اسم استفهام إنكاري بمعنى النفي فيفيد عموم نفي الهادي لهم ، إذ التقدير : لا أحد يهدي من أضل الله لا غيرُهم ولا أنفسُهم ، فإنهم من عموم ما صدق { مَن يَهدي .
ومعنى من أضل الله : } مَن قَدَّر له الضلال وطبع على قلبه ، فإسناد الإضلال إلى الله إسناد لتكوينه على ذلك لا للأمر به وذلك بيّن . ومعنى انتفاء هاديهم : أن من يحاوله لا يجد له في نفوسهم مسلكاً . ثم عطف على جملة نفي هداهم خبرٌ آخر عن حالهم وهو { ما لهم من ناصرين } ردّاً على المشركين الزاعمين أنهم إذا أصابوا خطيئة عند الله أن الأصنام تشفع لهم عند الله .