تفسير ابن عاشور

تفسير الآية رقم 51 من سورة يس

وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51)
يجوز أن تكون الواو للحال والجملة موضع الحال ، أي ما ينظرون إلا صيحة واحدة وقد نفخ في الصور الخ . . ويجوز أن تكون الواو اعتراضية ، وهذا الاعتراض واقع بين جملة { ما ينظُرُونَ إلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً } [ يس : 49 ] الخ . . . وجملة { ولو نشاء لطمسنا } [ يس : 66 ] .
والمقصود : وعظهم بالبعث الذي أنكروه وبما وراءه .
والماضي مستعمل في تحقق الوقوع مثل { أتى أمر الله } [ النحل : 1 ] . والمعنى : وينفخ في الصور ، أي ويَنفخ نافخ في الصور ، وهو الملَك الموكّل به ، واسمه إسرافيل . وهذه النفخة الثانية التي في قوله تعالى : { ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون } [ الزمر : 68 ] .
و«إذا» للمفاجأة وهي حصول مضمون الجملة التي بعدها سريعاً وبدون تهيّؤ . وضمير { هم } عائد إلى ما عادت إليه الضمائر السابقة . ويجوز أن يعود إلى معلوم من المقام ، أي فإذا الناس كلّهم ومنهم المتحدث عنهم .
و { الأجداث } : جمع جَدَث بالتحريك ، وهو القبر .
و { يَنسِلُونَ } يمشون مشياً سريعاً . وفعله من باب ضَرب وورد من باب نصر قليلاً . والمصدر : النسَلان ، على وزن الغليان لما في معنى الفعل من التقليب والاضطراب ، وتقدم في آخر سورة الأنبياء . وهذا يقتضي أنهم قُبِروا بعد الصيحة التي أخذتهم فإن كانت الصيحة صيحة الواقعة فالأجداث هي ما يعلوهم من التراب في المدة التي بين الصيحة والنفخة . وقد ورد أن بينهما أربعين سنة إذ لا يبقى بعد تلك الصيحة أحد من البشر ليَدفِن من هلَك منهم ، وإن كانت الصيحة صيحة الفزع إلى القتل فالأجداث على حقيقتها مثل قليب بدر .
ومعنى : { إلى ربّهِم } إلى حكم ربهم وحسابه ، وهو متعلق ب { يَنسِلُونَ } .