تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 138 من سورة النساء
استئناف ابتدائي ناشِىء عن وصف الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً ، فإنّ أولئك كانوا مظهرين الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وكان ثمّة طائفة تبطن الكفر وهم أهل النفاق ، ولمّا كان التظاهر بالإيمان ثم تعقيبه بالكفر ضرباً من التهكّم بالإسلام وأهله ، جيء في جزاء عملهم بوعيد مناسب لتهكّمهم بالمسلمين ، فجاء به على طريقة التهكّم إذ قال : { بشر المنافقين } ، فإنّ البشارة هي الخبر بما يَفرحَ المخبَر به ، وليس العذاب كذلك ، وللعرب في التهكّم أساليب كقول شَقِيق ابن سُليك الأسدي :
أتاني من أبي أنَسسٍ وعيدٌ ... فَسُلىّ لِغَيظَةِ الضّحّاكِ جِسمِي
وقول النابغة :
فإنّك سوف تَحْلُم أو تَناهَى ... إذا ما شِبْت أو شَاب الغراب
وقول ابن زَيَّابة :
نُبِّئْتُ عَمْراً غارزاً رأسَه ... في سِنَةٍ يُوعدِ أخْوَالَهُ
وتلكَ منه غير مأمُونَةٍ ... أنْ يَفعل الشيءَ إذَا قالَهُ