تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 4 من سورة الشورى
لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4)
جملة { له ما في السموات وما في الأرض } مقررة لوصفه { العزيز الحكيم } [ الشورى : 3 ] لأن من كان ما في السماوات وما في الأرض مِلكاً له تتحقق له العزّة لقوة ملكوته ، وتتحقق له الحكمة لأن الحكمة تقتضي خلقَ ما في السماوات والأرض وإتقانَ ذلك النظام الذي تسير به المخلوقات . ولكون هذه الجملة مقررةً معنى التي قبلها كانت بمنزلة التأكيد فلم تعطف عليها .
وجملة { وهو العلي العظيم } عطف عليها مقررة لما قررته الجملة قبلها فإن مَن اتصف بالعلاء والعظمة لو لم يكن عزيزاً لتخلف علاؤهُ وعظمته ، ولا يكون إلا حكيماً لأن عَلاءه يقتضي سموّه عن سفاسف الصفات والأفعال ، ولو لم يكن عظيماً لتعلقت إرادته بسفاسف الأمور ولتنازل إلى عبث الفعال .
والعلو هنا علو مجازي ، وهو السموّ في الكمال بحيث كان أكمل من كل موجود كامل . والعظمة مجازية وهي جلالة الصفات والأفعال . وأفادت صيغة الجملة معنى القصر ، أي لا عليّ ولا عظيم غيره لأن مَن عداه لا يخلو عن افتقار إليه فلا علوّ له ولا عظمة . وهذا قصر قلب ، أي دون آلهتكم فلا علو لها كما تزعمون . قال أبو سفيان : أعْلُ هُبل .
وتقدم معنى هاتين الجملتين في خلال آية الكرسي من سورة البقرة .