تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 47 من سورة الزخرف
فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآَيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ (47)
، وقوله : { فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون } لأن حالهم في ذلك مشابه لحال قريش الذي أشار إليه قوله : { وكم أرسلنا من نبيء في الأولين وما يأتيهم من نبيء إلا كانوا به يستهزئون } [ الزخرف : 6 ، 7 ] ، وقولُه بعد ذلك { أم أنا خير من هذا الذي هو مَهِين } [ الزخرف : 52 ] لأنهم أشبهوا بذلك حال أبي جهل ونحوه في قولهم : { لولا نُزّل هذا القرآن على رجللٍ من القريتين عظيمٍ } [ الزخرف : 31 ] إلاّ أن كلمة سادة قريش كانت أقرب إلى الأدب من كلمة فرعون لأن هؤلاء كان رسولهم من قومهم فلم يتركوا جانب الحياء بالمرة وفرعون كان رسوله غريباً عنهم . وقولُه { فلولا ألقي عليه أساورة من ذهب } [ الزخرف : 53 ] لأنه مشابه لما تضمنه قول صناديد قريش { على رجل من القريتين عظيم } [ الزخرف : 31 ] فإن عظمة ذيْنِك الرجلين كانت بوفرة المال ، ولذلك لم يُذكر مثله في غير هذه القصة من قصص بعثة موسى عليه السلام ، وقولُهم : { يا أيّها الساحر ادْعُ لَنَا ربّك } [ الزخرف : 49 ] وهو مُضاهٍ لقوله في قريش { هذا سحرٌ وإنا به كافرون } [ الزخرف : 30 ] ، وقولُه : { فأغرقناهم أجمعين } [ الزخرف : 55 ] الدالُّ على أن الله أهلكهم كلَّهم ، وذلك إنذار بما حصل من استئصال صناديد قريش يوم بدر .
فحصل من العبرة في هذه القصة أمران :
أحدهما : أن الكفار والجهلة يتمسكون بمثل هذه الشبهة في رد فضل الفضلاء فيتمسكون بخيوط العنكبوت من الأمور العرضية التي لا أثر لها في قيمة النفوس الزكية .
وثانيهما : أن فرعون صاحبَ العظمة الدنيوية المحضة صار مقهوراً مغلوباً انتصر عليه الذي استضعفه ، وتقدم نظير هذه الآية غير مرة .
و { إذا } حرف مفاجأة ، أي يدل على أن ما بعده حصل عن غير ترقب فتفتتح به الجملة التي يُفاد منها حصول حادث على وجه المفاجأة . ووقعت الجملة التي فيها { إذا } جواباً لحرف ( لَمَّا ) ، وهي جملة اسمية و ( لمّا ) تقتضي أن يكون جوابها جملة فعلية ، لأن ما في { إذا } من معنى المفاجأة يقوم مقام الجملة الفعلية .
والضحك : كناية عن الاستخفاف بالآيات والتكذيب فلا يتعيّن أن يكون كل الحاضرين صدر منهم ضحك ، ولا أن ذلك وقع عندَ رؤية آية إذ لعل بعضها لا يقتضي الضحك .