تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 28 من سورة الدخان
كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ (28)
وقوله : { كذلك } راجع لفعل { تركوا } . والتقدير : تركاً مثل ذلك الترك .
والإشارة إلى مقدر دل عليه الكلام ومعنى الكاف ، وهذا التركيب تقدم الكلام عليه عند قوله : { كذلك وقد أحطنا بما لديه خُبراً } في سورة الكهف ( 91 ) .
كَذَلِكَ وأورثناها قَوْماً } .
عطف على { تركوا } أي تركوها وأورثناها غيرهم ، أي لفرعون الذي وُلي بعد موت منفطا وسمي صطفا منفطا وهو أحد أُمراء فرعون منفطا تزوج ابنة منفطا المسماةَ طُوسِير التي خلفت أباها منفطا على عرش مصر ، ولكونه من غير نسل فرعون وُصف هو وَجُندُه بقوم آخرين ، وليس المراد بقوله : { قوماً آخرين } قوماً من بني إسرائيل ، ألا ترى أنه أعيد الاسم الظاهر في قوله عقبه
{ ولقد نجينا بني إسرائيل } [ الدخان : 30 ] ، ولم يقل ولقد نجيناهم .
ووقع في آية الشعراء { فأخرجناهم من جناتتٍ وعيونٍ وكنوزٍ ومقاممٍ كريممٍ كذلك وَأورثناها بني إسرائيل } [ الشعراء : 57 59 ] والمراد هنالك أن أنواعاً مما أخرجنا منه قومَ فرعون أورثناها بني إسرائيل ، ولم يُقصد أنواعُ تلك الأشياء في خصوص أرض فرعون . ومناسبة ذلك هنالك أن القومَين أخرجا مما كانا فيه ، فسُلب أحد الفريقين ما كان له دون إعادة لأنهم هلكوا ، وأعطي الفريق الآخَر أمثال ذلك في أرض فلسطين ، ففي قوله : { وأورثناها } تشبيه بليغ وانظر آية سورة الشعراء .