تفسير ابن عاشور

تفسير الآية رقم 9 من سورة الجاثية

. وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آَيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (9) والمراد بالعلم في قوله : { وإذا علم من آياتنا شيئاً } السمع ، أي إذا ألقى سمعه إلى شيء من القرآن اتخذه هُزؤاً ، أي لا يَتلقى شيئاً من القرآن إلا ليجعله ذريعة للهزء به ، ففعل { عَلِم } هنا متعدّ إلى واحد لأنه بمعنى عَرف .
وضمير التأنيث في { اتخذها } عائد إلى { آياتنا } ، أي اتخذ الآيات هزؤاً لأنه يستهزىء بما علمه منها وبغيره ، فهو إذا علم شيئاً منها استهزأ بما علمه وبغيره .
ومعنى اتخاذهم الآيات هزؤاً : أنهم يلوكونها بأفواههم لوك المستهزىء بالكلام ، وإلا فإن مطلق الاستهزاء بالآيات لا يتوقف على العِلم بشيء منها . ومن الاستهزاء ببعض الآيات تحريفُها على مواضعها وتحميلها غير المراد منها عمداً للاستهزاء ، كقول أبي جهل لما سَمِع { إنَّ شجرة الزقوم طعام الأثيم } [ الدخان : 43 ، 44 ] تجاهل بإظهار أن الزقوم اسم لمجموع الزبد والتمر فقال : «زقّمونا» ، وقوله : لما سمع قوله تعالى : { عليها تسعة عَشَر } [ المدثر : 30 ] : أنا أَلْقَاهُمْ وحدي .
{ هُزُواً أولئك لَهُمْ عَذَابٌ } { لله مُّهِينٌ * مِّن وَرَآئِهِمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يُغْنِى عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ شَيْئاً وَلاَ مَا } .
جيء باسم الإشارة للتنبيه على أن ما ذكر من الأوصاف من قوله تعالى : { لكل أفاك أثيم } إلى قوله { هزؤاً } على أن المشار إليهم أحرياء بهِ لأجْللِ ما قبل اسم الإشارة من الأوصاف .