تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 22 من سورة ق
لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22(
مقول قول محذوف دل عليه تعينه من الخطاب ، أي يقال هذا الكلام لكل نفس من نفوس المشركين فهو خطاب التهكم التوبيخي للنفس الكافرة لأن المؤمن لم يكن في غفلة عن الحشر والجزاء .
وجملة القول ومقوله في موضع الحال من { كل نفس } [ ق : 21 ] أو موقع الصفة ، وعلامات الخطاب في كلمات { كُنتَ } و { عنكَ } و { غطاءكَ } و { بصركَ } مفتوحة لتأويل النفس بالشخص أو بالإنسان ثم غُلب فيه التذكير على التأنيث . وهذا الكلام صادر من جانب الله تعالى وهو شروع في ذكر الحساب .
والغفلة : الذهول عما شأنه أن يُعلم وأطلقت هنا على الإنكار والجحد على سبيل التهكم ، ورشَّح ذلك قولُه { فكشفنا عنك غطاءك } بمعنى : بيّنا لك الدليل بالحس فهو أيضاً تهكّم . وأوثر قوله : { في غفلة } على أن يقال غافلاً للدلالة على تمكن الغفلة منه ولذلك استتبع تمثيلَها بالغطاء .
وكشف الغطاء تمثيل لحصول اليقين بالشيء بعد إنكار وقوعه ، أي كشفنا عنك الغطاء الذي كان يحجب عنك وقوع هذا اليوم بما فيه ، وأسند الكشف إلى الله تعالى لأنه الذي أظهر لها أسباب حصول اليقين بشواهد عَيْن اليقين . وأضيف ( غطاء ( إلى ضمير الإنسان المخاطب للدلالة على اختصاصه به وأنه مما يعرف به .
وحدة البصر : قوة نفاذه في المَرئي ، وحدّة كل شيء قوةُ مفعوله ، ومنه حدة الذهن ، والكلام يتضمن تشبيه حصول اليقين برؤية المرئي ببصر قوي ، وتقييده بقوله : { اليوم } تعريض بالتوبيخ ، أي ليس حالك اليوم كحالك قبل اليوم إذ كنت في الدنيا منكراً للبعث .
والمعنى : فقد شاهدتَ البعث والحشر والجزاء ، فإنهم كانوا ينكرون ذلك كله ، قالوا { أإذا متنا وكنّا تراباً وعظاماً أئنا المدينون } [ الصافات : 53 ] وقالوا : { وما نحن بمعذبين } [ الصافات : 59 ] فقد رأى العذاب ببصره .