تفسير ابن عاشور

تفسير الآية رقم 6 من سورة القمر

فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6(فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } .
تفريع على { فما تغن النذر } [ القمر : 5 ] ، أي أعرِضْ عن مجادلتهم فإنهم لا تفيدهم النذر كقوله : { فأعرض عمن تولى عن ذكرنا } [ النجم : 29 ] ، أي أنك قد بلّغت فما أنت بمسؤول عن استجابتهم كما قال تعالى : { فتول عنهم فما أنت بملوم } [ الذاريات : 54 ] . وهذا تسلية للنبيء صلى الله عليه وسلم وتطمين له بأنه ما قَصر في أداء الرسالة . ولا تعلّق لهذه الآية بأحكام قتالهم إذ لم يكن السياق له ولا حدثت دواعيه يومئذٍ فلا وجه للقول بأنها منسوخة .
{ يَوْمَ يَدْعُو الداع إلى شَىْءٍ نُّكُرٍ * خُشَّعاً أبصارهم يَخْرُجُونَ مِنَ الاجداث كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ * مُّهْطِعِينَ إِلَى الداع يَقُولُ الكافرون هذا يَوْمٌ عَسِرٌ } .
استئناف بياني لأن الأمر بالتولّي مؤذن بغضب ووعيد فمن شأنه أن يثير في نفس السامع تساؤلاً عن مجمل هذا الوعيد . وهذا الاستئناف وقع معترضاً بين جملة { ولقد جاءهم من الأنباء } [ القمر : 4 ] وجملة { كذبت قبلهم قوم نوح } [ القمر : 9 ] .
وإذ قد كان المتوعد به شيئاً يحصل يوم القيامة قدم الظرف على عامله وهو { يقول الكافرون هذا يوم عسر } ليحصل بتقديمه إجمال يفصّله بعض التفصيل ما يُذكر بعده ، فإذا سمع السامع هذا الظرف علم أنه ظرف لأهوال تذكر بعده هي تفصيل ما أجمله قوله : { فتول عنهم } من الوعيد بحيث لا يحسن وقع شيء مما في هذه الجملة هذا الموقع غير هذا الظرف ، ولولا تقديمه لجاء الكلام غير موثوق العرى ، وانظر كيف جمع فيما بعد قوله : { يوم يدع الداع } كثيراً من الأهوال آخذٌ بعضها بحجز بعض بحسن اتصال ينقل كل منها ذهن السامع إلى الذي بعده من غير شعور بأنه يُعدّد له أشياءَ .
وقد عُدّ سبعة من مظاهر الأهوال :
أولها : دعاء الداعي فإنه مؤذن بأنهم محضرون إلى الحساب ، لأن مفعول { يدع } محذوف بتقدير : يدعوهم الداعي لدلالة ضمير { عنهم } على تقدير المحذوف .
الثاني : أنه يدعو إلى شيء عظيم لأن ما في لفظ { شيء } من الإِبهام يُشعر بأنه مهول ، وما في تنكيره من التعظيم يجسم ذلك الهول .
وثالثها : وصف شيء بأنه { نكر } ، أي موصوف بأنه تنكره النفوس وتكرهه .
والنكُر بضمتين : صفة ، وهذا الوزن قليل في الصفات ، ومنه قولهم : روضة أُنُف ، أي جديدة لم ترعها الماشية ، ورجل شُلُل ، أي خفيف سريع في الحاجات ، ورجل سُجُح بجيم قبل الحاء ، أي سمح ، وناقة أُجُد : قوية موثقة فَقار الظهر ، ويجوز إسكان عين الكلمة فيها للتخفيف وبه قرأ ابن كثير هنا .