تفسير ابن عاشور

تفسير الآية رقم 8 من سورة القمر

مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8(
{
وسابعها : قولهم : { هذا يوم عسر } وهو قولٌ من أثر ما في نفوسهم من خوف . و { عسر } : صفة مشبهة من العُسر وهو الشدة والصعوبة . ووصف اليوم ب { عسر } وصف مجازي عقلي باعتبار كونه زماناً لأمور عسرة شديدة من شدة الحساب وانتظار العذاب .
وأبهم { شيء نكر } للتهويل ، وذلك هو أهوال الحساب وإهانة الدفع ومشاهدة ما أُعد لهم من العذاب .
وانتصب { خشعاً أبصارهم } على الحال من الضمير المقدر في { يدع الداع } وإمّا من ضمير { يخرجون } مقدماً على صاحبه .
وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر وعاصم وأبو جعفر { خشعاً } بصيغة جمع خاشع . وقرأه أبو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف { خَاشِعاً } بصيغة اسم الفاعل . قال الزجاج : «لك في أسماء الفاعلين إذا تقدمت على الجماعة التوحيدُ والتذكيرُ نحو خاشعاً أبصارُهم . ولك التوحيد والتأنيث نحو قراءة ابن مسعود { خاشعة أبصارهم } ولك الجمع نحو { خشعاً أبصارهم } اه .
و { أبصارهم } فاعل { خشعاً } ولا ضير في كون الوصف الرافع للفاعل على صيغة الجمع لأن المحْظور هو لحاق علامة الجمع والتثنية للفعل إذا كان فاعله الظاهر جمعاً أو مثنى ، وليس الوصف كذلك ، كما نبه عليه الرضِيُّ على أنه إذا كان الوصف جمعاً مكسَّراً ، وكان جارياً على موصوف هو جمع ، فرفع الاسم الظاهر الوصف المجموع أولى من رفعه بالوصف المجموع المفرد على ما اختاره المبرد وابن مالك كقول امرىء القيس :
وقوفاً بها صحبي على مطيّهم ... وشاهد هذا القراء .
وقوله : { يقول الكافرون } إظهار في مقام الإِضمار لوصفهم بهذا الوصف الذميم وفيه تفسير الضمائر السابقة .
والأجداثُ : جمع جَدث وهو القبر ، وقد جعل الله خروج الناس إلى الحشر من مواضع دفنهم في الأرض ، كما قال : { منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى } [ طه : 55 ] فيعاد خلق كل ذات من التراب الذي فيه بقية من أجزاء الجسم وهي ذرات يعلمها الله تعالى .
والجراد : اسم جمع واحدُهُ جرادة وهي حشرة ذات أجنحة أربعة مطوية على جنبيها وأرجل أربعة ، أصفر اللون .
والمنتشر : المنبثّ على وجه الأرض . والمراد هنا : الدَّبَى وهو فراخ الجراد قبل أن تظهر له الأجنحة لأنه يخرج من ثُقببٍ في الأرض هي مَبيضاتُ أصوله فإذا تم خلقه خرج من الأرض يزحف بعضه فوق بعض قال تعالى : { يوم يكون الناس كالفراش المبثوث } [ القارعة : 4 ] . وهذا التشبيه تمثيلي لأنه تشبيه هيئة خروج الناس من القبور متراكمين بهيئة خروج الجراد متعاظلاً يسير غير ساكن .