تفسير ابن عاشور

تفسير الآية رقم 64 من سورة الأنعام

وجملة : { قل الله ينجيكم منها } تلقين لجواب الاستفهام من قوله : { مَنْ يُنجّيكم } أن يُجيب عن المسؤولين ، ولذلك فصلت جملة { قل } لأنَّها جارية مجرى القول في المحاورة ، كما تقدّم في هذه السورة . وتولَّى الجواب عنهم لأنّ هذا الجواب لا يسعهم إلاّ الاعتراف به .
وقدّم المسند إليه على الخبر الفعلي لإفادة الاختصاص ، أي الله ينجيكم لا غيره ، ولأجل ذلك صرّح بالفعل المستفهم عنه . ولولا هذا لاقتصر على { قل الله }.والضمير في { منها } للظلمات أو للحادثة . وزاد { مِنْ كلّ كرب } لإفادة التعميم ، وأنّ الاقتصار على ظلمات البرّ والبحر بالمعنيين لمجرّد المثال .
وقرأ نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، وهشام عن ابن عامر ، ويعقوب { يُنجيكم } بسكون النون وتخفيف الجيم على أنَّه من أنجاه ، فتكون الآية جمعت بين الاستعمالين . وهذا من التفنّن لتجنّب الإعادة . ونظيره { فمهِّل الكافرين أمْهِلْهُم } [ الطارق : 17 ]. وقرأه ابن ذكوان عن ابن عامر ، وأبو جعفر ، وخلف ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي { يُنجِّيكم } بالتشديد مثل الأولى .
و { ثم } من قوله : { ثم أنتم تشركون } للترتيب الرتبي لأنّ المقصود أنّ إشراكهم مع اعترافهم بأنَّهم لا يلجأون إلاّ إلى الله في الشدائد أمر عجيب ، فليس المقصود المهلة .
وتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي لمجرّد الاهتمام بخبر إسناد الشرك إليهم ، أي أنتم الذين تتضرّعون إلى الله باعترافكم تُشركون به من قَبل ومن بعد ، من باب { ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم } [ البقرة : 85 ] ، ومن باب : لو غيرُك قالها ، ولو ذاتُ سِوار لَطَمَتْنِي .
وجيء بالمسند فعلاً مضارعاً لإفادة تجدّد شركهم وأنّ ذلك التجدّد والدوامَ عليه أعجب .
والمعنى أنّ الله أنجاكم فوعدتم أن تكونوا من الشاكرين فإذا أنتم تشركون . وبيْن { الشاكرين } و { تشركون } الجناس المحرّف .