تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 6 من سورة الصف
وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6)
عطف على جملة { وإذ قال موسى لقومه } [ الصف : 5 ] فعلى الوجه الأول في موقع التي قبلها فموقع هذه مساوٍ له .
وأما على الوجه الثاني في الآية السابقة فإن هذه مسوقة مساق التتميم لقصة موسى بذكر مثال آخر لقوم حادُوا عن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم من غير إفادة تحذير للمخاطبين من المسلمين ، وللتخلص إلى ذكر أخبار عيسى بالرسول الذي يجيء بعده .
ونادى عيسى قومه بعنوان { بني إسرائيل } دون { يا قوم } [ الصف : 5 ] لأن بني إسرائيل بعد موسى اشتهروا بعنوان «بني إسرائيل» ولم يطلق عليهم عنوان : قوم موسى ، إلا في مدة حياة موسى خاصة فإنهم إنما صاروا أمة وقوماً بسببه وشريعته .
فأما عيسى فإنما كان مرسلاً بتأييد شريعة موسى ، والتذكير بها وتغيير بعض أحكامها ، ولأن عيسى حين خاطبهم لم يكونوا قد اتبعوه ولا صدّقوه فلم يكونوا قوماً له خالصين .
وتقدم القول في معنى { مصدقاً لما بين يدي من التوراة } في أوائل سورة [ آل عمران : 50 ] وفي أثناء سورة العقود .
والمقصود من تنبيههم على هذا التصديق حين ابتدأهم بالدعوة تقريب إجابتهم واستنزال طائرهم لشدة تمسكهم بالتوراة واعتقادهم أن أحكامها لا تقبل النسخ ، وأنها دائمة . ولذلك لما ابتدأهم بهذه الدعوة لم يزد عليها ما حكي عنه في سورة [ آل عمران : 50 ] من قوله : { ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم } ، فيحمل ما هنالك على أنه خطاب واقع بعد أول الدعوة فإن الله لم يوح إليه أوّل مرّة بنسخ بعض أحكام التوراة ثم أوحاه إليه بعد ذلك . فحينئذٍ أخبرهم بما أوحي إليه .
وكذلك شأن التشريع أن يُلقَى إلى الأمة تدريجاً كما في حديث عائشة في صحيح البخاري } أنها قالت : «إنما أُنزل أوّل ما أُنزل منه ( أي القرآن ) سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإِسلام نزل الحلال والحرام ، ولو أنزل أولَ شيء : لا تشربوا الخمر ، لقالوا : لا نترك الخمر أبداً ، ولو نزل : لا تزنوا : لقالوا : لا ندع الزنا أبداً . لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجاريةٌ ألعَب { بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر } [ القمر : 46 ] ، وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده» اه .
فمعنى قوله : { مصدقاً لما بين يدي من التوراة } في كلتا الآيتين هو التصديق بمعنى التقرير والأعمال على وجه الجملة ، أي أعمال مجموعها وجمهرة أحكامها ولا ينافي ذلك أنه قد تغير بعض أحكامها بوحي من الله في أحوال قليلة .
والتبشير : الإِخبار بحادث يسُرّ ، وأطلق هنا على الإِخبار بأمر عظيم النفع لهم لأنه يلزمه السرور الحق فإن مجيء الرسول إلى الناس نعمة عظيمة .
ووجه إيثار هذا اللفظ الإِشارة إلى ما وقع في الإِنجيل من وصف رسالة الرسول الموعود به بأنها بشارة الملكوت .
وإنما أخبرهم بمجيء رسول من بعده لأن بني إسرائيل لم يزالوا ينتظرون مجيء رسول من الله يخلصهم من براثن المتسلطين عليهم وهذا الانتظار ديدنهم ، وهم موعودون لهذا المخلّص لهم على لسان أنبيائهم بعد موسى . فكان وعد عيسى به كوعد من سبقه من أنبيائهم ، وفاتحهم به في أول الدعوة اعتناء بهذه الوصية .
وفي الابتداء بها تنبيه على أن ليس عيسى هو المخلص المنتظر وأن المنتظر رسول يأتي من بعده وهو محمد صلى الله عليه وسلم
ولعظم شأن هذا الرسول الموعود به أراد الله أن يقيم للأمم التي يظهر فيها علامات ودلائل ليتبينوا بها شخصه فيكون انطباقها فاتحة لإِقبالهم على تلقّي دعوته ، وإنما يعرفها حقّ معرفتها الراسخون في الدين من أهل الكتاب لأنهم الذين يرجع إليهم الدهماء من أهل ملتهم قال تعالى : { الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون } [ البقرة : 146 ] . وقال : { قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب } [ الرعد : 43 ] .
وقد وصف الله بعض صفات هذا الرسول لموسى عليه السلام في قوله تعالى حكاية عن إجابته دعاء موسى { ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون إلى قوله : الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم } [ الأعراف : 157 ] .
فلما أراد الله تعالى إعداد البشر لقبول رسالة هذا الرسول العظيم الموعود به صلى الله عليه وسلم استودعهم أشراطه وعلاماته على لسان كل رسول أرسله إلى الناس . قال تعالى : { وإذ أخذ الله ميثاق النبيئين لما آتيناكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلك إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون } [ آل عمران : 81 - 82 ] أي أأخذتم إصري من أُممكم على الإِيمان بالرسول الذي يجيء مصدقاً للرسل . وقوله : { فاشهدوا } [ آل عمران : 81 ] ، أي على أُممكم وسيجيء من حكاية كلام عيسى في الإِنجيل ما يشرح هذه الشهادة .
وقال تعالى في خصوص ما لَقّنه إبراهيمَ عليه السلام { ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة } [ البقرة : 129 ] الآية .
وأوصى به عيسى عليه السلام في هذه الآية وصية جامعة لما تقدمها من وصايا الأنبياء وأجملها إجمالاً على طريق الرمز . وهو أسلوب من أساليب أهل الحكمة والرسالة في غير بيان الشريعة ، قال السّهروردي : في تلك حكمة الإِشراق «وكلمات الأوَّلين مرموزة» فقال قطب الدين الشيرازي في «شرحه» : «كانوا يرمزون في كلامهم إما تشحيذاً للخاطر باستكداد الفكر أو تشبهاً بالباري تعالى وأصحاببِ النواميس فيما أتوا به من الكتب المنزلة المرموزة لتكون أقرب إلى فهم الجمهور فينتفع الخواصّ بباطنها والعوام بظاهرها .
ا ه» ، أي ليتوسمها أهل العلم من أهل الكتاب فيتحصل لهم من مجموع تفصيلها شمائل الرسول الموعود به ولا يلتبس عليهم بغيره ممن يدّعي ذلك كذباً . أو يدّعيه له طائفة من الناس كذباً أو اشتباهاً .
ولا يحمل قوله : { اسمه أحمد } على ما يتبادر من لفظ اسم من أنه العلَم المجهول للدلالة على ذات معيَّنة لتميزه من بين من لا يشاركها في ذلك الاسم لأن هذا الحمل يمنع منه وأنه ليس بمطابق للواقع لأن الرسول الموعود به لم يدعه الناسُ أحمد فلم يكن أحد يدعو النبي محمداً صلى الله عليه وسلم باسم أحمد لا قبل نبوته ولا بعدها ولا يعْرف ذلك .
وأما ما وقع في «الموطأ» و «الصحيحين» عن محمّد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «لي خمسة أسماء : أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر ، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب» فتأويله أنه أطلق الأسماء على ما يشمل الاسم العَلَم والصفة الخاصة به على طريقة التغليب . وقد رويت له أسماء غيرها استقصاها أبو بكر ابن العربي في «العارضة» و«القَبس» .
فالذي نُوقِن به أن محمل قوله : { اسمه أحمد } يجري على جميع ما تحمله جُزْءاً هذه الجملة من المعاني .
فأما لفظ «اسم» فأشهر استعماله في كلام العرب ثلاثة استعمالات :
أحدها : أن يكون بمعنى المسمّى . قال أبو عبيدة : الاسم هو المسمّى . ونَسب ثعلب إلى سيبويه أن الاسم غير المسمّى ( أي إذا أطلق لفظ اسم في الكلام فالمعنى به مسمّى ذلك الاسم ) لكن جَزم ابن السيد البَطَلْيَوسي في كتابه الذي جعله في معاني الاسم هَل هو عين المسمى ، أنه وقع في بعض مواضع من كتاب سيبويه أن الاسم هو المسمّى ، ووقع في بعضها أنه غير المسمّى ، فحمَله ابن السيد البطليوسي على أنهما إطلاقان ، وليس ذلك باختلاف في كلام سيبويه ، وتوقف أبو العباس ثعلب في ذلك فقال : ليس لي فيه قول . ولما في هذا الاستعمال من الاحتمال بطل الاستدلال به .
الاستعمال الثاني : أن يكون الاسم بمعنى شهرة في الخير وأنشد ثعلب
: ... لأعظمها قدراً وأكرمِها أباً
وأحسنِها وجْهاً وأعلَنها سُمَى ... سُمىً لغة في اسم .
الاستعمال الثالث : أن يطلق على لفظ جُعل دالاً على ذات لتميَّز من كثير من أمثالها ، وهذا هو العَلَم .
ونحن نجري على أصلنا في حمل ألفاظ القرآن على جميع المعاني التي يسمح بها الاستعمال الفصيح كما في المقدمة التاسعة من مقدمات هذا التفسير ، فنحمل الاسم في قوله : { اسمه أحمد } على ما يجمع بين هذه الاستعمالات الثلاثة ، أي مسماه أحمد ، وِذكْره أحْمد ، وعَلَمه أحمَد ، ولنحمل لفظ أحمد على ما لا يأباه واحد من استعمالاتتِ اسم الثلاثةِ إذا قُرن به وهو أن أَحْمد اسم تفضيل يجوز أن يكون مسلوب المفاضلة معنياً به القوةُ فيم هو مشتق منه ، أي الحمدِ وهو الثناء ، فيكون أحمد هنا مستعملاً في قوةِ مفعولية الحَمد ، أي حَمْد الناس إياه ، وهذا مثل قولهم .
«العَود أحمد» ، أي محمود كثيراً . فالوصف ب { أحمد } بالنسبة للمعنى الأول في اسم أن مسمّى هذا الرسول ونفسه موصوفة بأقوى ما يحمد عليه محمود فيشمل ذلك جميع صفات الكمال النفسانية والخُلقية والخَلقية والنسبية والقومية وغير ذلك مما هو معدود من الكمالات الذاتية والغرضية .
ويصح اعتبار { أحمد } تفضيلاً حقيقياً في كلام عيسى عليه السّلام ، أي مسماه أحمد مني ، أي أفضل ، أي في رسالته وشريعته . وعبارات الإِنجيل تشعر بهذا التفضيل ، ففي إنجيل يوحنا في الإصحاح الرابع عشر «وأنا أطلب من الأب ( أي من ربنا ) فيعطيكم ( فارقليط ) آخر ليثبت معكم إلى الأبد روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه . ثم قال : وأما الفارقليط الروح القدس الذي سيرسله الأب ( الله ) باسمي فهو يعلِّمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم» ، أي في جملة ما يعلِّمكم أن يذكركم بكل ما قلته لكم . وهذا يفيد تفضيله على عيسى بفضيلة دوام شريعة المعبر عنها بقول الإِنجيل «ليثبت معكم إلى الأبد» وبفضيلة عموم شرعه للأحكام المعبر عنه بقوله : «يعلمكم كل شيء» .
والوصف ب { أحمد } على المعنى الثاني في الاسم . أن سُمعتَه وذِكره في جيله والأجيال بعده موصوف بأنه أشدُّ ذكرٍ محمود وسمعةٍ محمودة .
وهذا معنى قوله في الحديث «أنا حامل لواء الحمد يوم القيامة» وأن الله يبعثه مقاماً محموداً .
ووصف { أحمد } بالنسبة إلى المعنى الثالث في الاسم رمز إلى أنه اسمه العَلَم يكون بمعنى : أحمد ، فإن لفظ محمَّد اسم مفعول من حَمَّد المضاعف الدال على كثرة حَمد الحامدين إياه كما قالوا : فلان ممَدَّح ، إذا تكرر مدحُه من مادحين كثيرين .
فاسم «محمّد» يفيد معنى : المحمود حمداً كثيراً ورمز إليه بأحمد .
وهذه الكلمة الجامعة التي أوحى الله بها إلى عيسى عليه السّلام أراد الله بها أن تكون شعاراً لجماع صفات الرسول الموعود به صلى الله عليه وسلم صيغت بأقصى صيغة تدل على ذلك إجمالاً بحسب ما تسمح اللغة بجمعه من معاني . ووُكل تفصيلها إلى ما يظهر من شمائله قبل بعثته وبعدها ليتوسمها المتوسمون ويتدبر مطاويها الراسخون عند المشاهدة والتجربة .
جاء في إنجيل متَّى في الإِصحاح الرابع والعشرين قول عيسى «ويقوم أنبياء كذبة كثيرون ويضلون كثيراً ولكن الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص ويكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم ثم يكون المنتهى» ، ومعنى يكرز يدعو وينبىء ، ومعنى يصير إلى المنتهى يتأخر إلى قرب الساعة .
وفي إنجيل يوحنّا في الإِصحاح الرابع عشر «إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي وأنا أطلب من الأب فيعطيكم فارقليط آخر يثبت معكم إلى الأبد» . و ( فارقليط ) كلمة رومية ، أي بوانية تطلق بمعنى المُدافع أو المسلي ، أي الذي يأتي بما يدفع الأحزان والمصائب ، أي يأتي رحمة ، أي رسول مبشر ، وكلمة آخر صريحة في أنه رسول مثل عيسى .
وفي الإصحاح الرابع عشر «والكلام الذي تسمعونه ليس لي بل الذي أرسلني . وبهذا كَلّمتُكم وأنا عندكم ( أي مدة وجودي بينكم ) ، وأما ( الفارقليط ) الروح القدسي الذي سيرسله الأب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته» ( ومعنى «باسمي» أي بصفة الرسالة ) لا أتكلم معكم كثيراً لأن رئيس هذا العالم يأتي وليس له فِيَّ شيء ولكن ليفهم العالم أني أحبّ الأب وكما أوصاني الأبُ أفعل» .
وفي الإِصحاح الخامس عشر منه «ومتى جاء الفارقليط الذي سأرسله أنا إليكم من الأب روحُ الحق الذي من عند الأب ينبثق فهو يشهد لي» .
وفي هذه الأخبار إثبات أن هذا الرسول المبشر به تعمّ رسالته جميع الأمم في جميع الأرض ، وأنه الخاتم ، وأن لشريعته مُلكاً لقول إنجيل متَّى «هو يكرز ببشارة الملكوت» والملكوت هو الملك ، وأن تعاليمه تتعلق بجميع الأشياء العارضة للناس ، أي شريعته تتعلق أحكامها بجميع الأحوال البشرية ، وجميعها مما تشمله الكلمة التي جاءت على لسان عيسى عليه السلام وهي كلمة { اسمه أحمد } فكانت من الرموز الإِلهية ولكونها مرادة لذلك ذكرها الله تعالى في القرآن تذكيراً وإعلاناً .
وذِكر القرآن تبشيرَ عيسى بمحمدٍ عليهما الصلاة والسّلام إدماج في خلال المقصود الذي هو تنظير ما أوذي به موسى من قومه وما أوذي به عيسى من قومه إدماجاً يؤيد به النبي صلى الله عليه وسلم ويثبّت فؤاده ويزيده تسلية . وفيها تخلص إلى أن ما لقيه من قومه نظيرَ ما لقيه عيسى من بني إسرائيل .
وقوله : { فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين } هو مناط الأذى .
فإن المتبادر أن يعود ضمير الرفع في قوله : { جاءهم } إلى عيسى ، وأن يعود ضمير النصب إلى الذين خاطبهم عيسى . والتقدير : فكذبوه ، فلما جاءهم بالمعجزات قالوا هذا سحر أو هُو ساحر .
ويحتمل أن يكون ضمير الرفع عائداً إلى رسول يأتي من بعدي . وضمير النصب عائداً إلى لفظ بني إسرائيل ، أي بني إسرائيل غير الذين دعاهم عيسى عليه السلام من باب : عندي درهم ونصفه ، أي نصف ما يسمّى بدرهم ، أي فلما جاءهم الرسول الذي دعاه عيسى باسم أحمد بالبينات ، أي دلائل انطباق الصفات الموعود بها قالوا هذا سحر أو هذا ساحر مبين فيكون هذا التركيب مبين من قبيل الكلام الموجه . وحصل أذاهم بهذا القول لكلا الرسولين .
فالجملة على هذا الاحتمال تُحمل على أنها اعتراض بين المتعاطفات وممهدة للتخلص إلى مذمة المشركين وغيرهم ممن لم يقبل دعوة محمد صلى الله عليه وسلم
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم بفتح الياء من قوله : { بعديَ } . وقرأه الباقون بسكونها . قال في «الكشاف» : واختار الخليل وسيبويه الفتح .
وقرأ الجمهور { هذا سحر } بكسر السين . وقرأه حمزة والكسائي وخلف { هذا ساحر } فعلى الأولى الإِشارة للبنات ، وعلى الثانية الإِشارة إلى عيسى أو إلى الرسول .