تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 104 من سورة الأعراف
عُطف قول موسى بالواو ، ولم يفصل عمّا قبله ، مع أن جملة هذا القول بمنزلة البيان لجملة { بعثنا من بعدهم موسى } [ الأعراف : 103 ] ، لأنه لما كان قوله : { بآياتنا } [ الأعراف : 103 ] حالاً من موسى فقد فهم أن المقصود تنظير حال الذين أرسل إليهم موسى بحال الأمم التي مضى الإخبار عنها في المكابرة على التكذيب ، مع ظهور آيات الصدق ، ليتم بذلك تشابه حال الماضين مع حال الحاضرين المكذبين بمحمد صلى الله عليه وسلم فجُعلت حكايةُ محاورة موسى مع فرعون وملئه خَبَراً مستقلاً لأنه لم يُحك فيه قوله المقارن لإظهار الآية بل ذكرت الآية من قبلُ ، بخلاف ما حكي في القصص التي قبلَها فإن حكاية أقوال الرسل كانت قبل ذكر الآية ، ولأن القصة هنا قد حكي جميعها باختصار بجُمَل { بَعَثْنَا } [ الأعراف : 103 ] ، { فظلموا } [ الأعراف : 103 ] ، { فانظر } [ الأعراف : 103 ] ، فصارت جملة : { قال } تفصيلاً لبعض ما تقدم ، فلا تكون مفصولة لأن الفصل إنما يكون بين جملتين ، لا بين جملة وبين عدة جمل أخرى .
والظاهر أن خطاب موسى فرعونَ بقوله : { يا فرعون } خطاب إكرام لأنه ناداه بالاسم الدال على الملك والسلطان بحسب متعارف أمته فليس هو بترفع عليه لأن الله تعالى قال له ولهارون { فقولا له قولاً لينّاً } [ طه : 44 ] ، والظاهر أيضاً أن قول موسى هذا هو أول ما خاطب به فرعون كما دلت عليه سورة طه .
وصوغ حكاية كلام موسى بصيغة التأكيد بحرف ( إن ) لأن المخاطب مظنة الإنكار أو التردد القوي في صحة الخبر .
واختيار صفة { رب العالمين } في الإعلام بالمرسِل إبطال لاعتقاد فرعون أنه رب مصر وأهلها فإنه قال لهم : { أنا ربكم الأعلى } [ النازعات : 24 ] فلما وصف موسى مُرْسلَه بأنه رب العالمين شمل فرعون وأهل مملكته فتبطل دعوى فرعون أنه إلاه مصر بطريق اللزوم ، ودخل في ذلك جميع البلاد والعباد الذين لم يكن فرعون يدعي أنه إلههم مثل الفرس والأشوريين .