تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 132 من سورة الأعراف
جملة : { وقالوا } معطوفة على جملة { ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين } [ الأعراف : 130 ] الآية ، فهم قابلوا المصائب التي أصابهم الله بها ليذكّروا ، بازدياد الغرور فأيسوا من التذكر بها ، وعاندوا موسى حين تحداهم بها فقالوا : مَهْما تأتنا به من أعمال سحرك العجيبة فما نحن لك بمؤمنين ، أي : فلا تتعب نفسك في السحر .
و { مهما } اسم مضمن معنى الشرط ، لأن أصله ( ما ) الموصولة أو النكرة الدالة على العموم ، فركبّت معها ( ما ) لتصييرها شرطية كما ركبت ( ما ) مع ( أي ) و ( متى ) و ( أيْنَ ) فصارت أسماء شرط ، وجعلت الألف الأولى هاء اسْتثقالاً لتكرير المتجانسين ، ولقرب الهاء من الألف فصارت مهما ، ومعناها : شيء ما ، وهي مبهمة فيؤتى بعدها بمن التبْيينية ، أي : إن تأتنا بشيء من الآيات فما نحن لك بمؤمنين .
و { مهما } في محل رفع بالابتداء ، والتقدير : أيّما شيء تأتينا به ، وخبره الشرط وجوابه ، ويجوز كونها في محل نصب لفعل محذوف يدل عليه { تأتنا به } المذكور . والتقدير : أي شيء تُحضرنا تأتينا به .
وذُكّر ضمير { به } رعياً للفظ { مهما } الذي هو في معنى أي شيء ، وأنّث ضمير { بها } رعياً لوقوعه بعد بيان { مهما } باسم مؤنث هو { آية }.
و { من آية } بيان لإبهام { مهما }.
والآية : العلامة الدالة ، وقد تقدم الكلام عليها عند قوله تعالى : { والذين كفروا وكذبوا بآياتا أولئك أصحاب النار } في سورة البقرة ( 39 ) ، وفي قوله تعالى : { وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه } في سورة الأنعام ( 37 ).
وسموا ما جاء به موسى آية باعتبار الغرض الذي تحداهم به موسى حين الإتيان بها ، لأن موسى يأتيهم بها استدلالاً على صدق رسالته ، وهم لا يعدونها آية ولكنهم جارَوْا موسى في التسمية بقرينة قولهم لتسحرنا بها } ، وفي ذلك استهزاء كما حكى الله عن مشركي أهل مكة وقالوا : { يأيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون } [ الحجر : 6 ] بقرينة قولهم : إنك لمجنون .
وجملة { فما نحن لك بمؤمنين } مفيدة المبالغة في القطع بانتفاء إيمانهم بموسى لأنهم جاءوا في كلامهم بما حوته الجملة الاسمية التي حَكَتْهُ من الدلالة على ثبوت هذا الانتفاء ودوامه . وبما تفيده الباء من توكيد النفي ، وما يفيده تقديم متعلق مؤمنين من اهتمامهم بموسى في تعليق الإيمان به المنفي باسمه .