تفسير ابن عاشور

تفسير الآية رقم 26 من سورة نوح

وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) عطف على { قال نوح رب إنهم عصوني } [ نوح : 21 ] أعقبه بالدعاء عليهم بالإِهلاك والاستئصال بأن لا يبقى منهم أحداً ، أي لا تبق منهم أحداً على الأرض .
وأعيد فعل { قال } لوقوع الفصل بين أقوال نوح بجملة { مما خطيئاتهم } [ نوح : 25 ] الخ ، أو بها وبجملة { ولا تزد الظالمين إلاّ ضلالاً } [ نوح : 24 ] .
وقرنت بواو العطف لتكون مستقلة فلا تتبع جملة { إنهم عصوني للإِشارة إلى أن دَعوة نوح حصلت بعد شكايته بقوله : إنهم عصوني .
وديَّاراً } : اسم مخصوص بالوقوع في النفي يعمّ كل إنسان ، وهو اسم بوزن فَيْعَال مشتق من اسم الدار فعينه واو لأن عين دَار مقدرة واواً ، فأصل ديّار : دَيوار فلما اجتمعت الواو والياء واتصلتا وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياء ثم أدغمت في الياء الزائدة كما فُعل بسيّد وميّت ، ومعنى ديّار : من يحلّ بدار القوم كناية عن إنسان .
ونظير ( ديّار ) في العموم والوقوع في النفي أسماء كثيرة في كلام العرب أبلغها ابن السكيت في «إصلاح المنطق» إلى خمسةٍ وعشرين ، وزاد كُراع النمل سبعة فبلغت اثنين وثلاثين اسماً ، وزاد ابن مالك في «التسهيل» ستة فصارت ثمانية وثلاثين .
ومن أشهرها : آحَد ، ودَيَّار ، وعَريب ، وكلها بمعنى الإِنسان ، ولفظ ( بُدَّ ) بضم الموحدة وتشديد الدال المهملة وهو المفارقة .