تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 26 من سورة المدثر
سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) جملة { سأُصليه سقر } مستأنفة استئنافاً بيانياً ناشئاً عن قوله : { إنه فكّر وقدّر } [ المدثر : 18 ] إلى آخر الآيات فذكر وعيده بعذاب الآخرة .
ويجوز أن تكون بدلاً من جملة { سأرهق صعوراً } . والإِصلاء : جعل الشيء صالياً ، أي مباشراً حرَّ النار . وفعل صَلِيَ يطلق على إحساس حرارة النار ، فيكون لأجل التدَفّىء كقول الحارث بن حِلزة :
فتنورتَ نارها من بعيد ... بخزازَى أيَّانَ منكَ الصلاء
أي أنت بعيد من التدفىء بها وكما قال حُمَيد بن ثَوْر :
لا تصطلي النارَ إلاّ مِجْمَرا أرِجَا ... قد كَسَّرت من يَلْنَجُوجٍ له وَقَصَا
ويطلق على الاحتراق بالنار قال تعالى : { سَيصلَى ناراً ذات لهب } في سورة أبي لهب ( 3 ) وقال : { فأنذرتكم ناراً تلظَّى لا يصلاَها إلاّ الأشقى } في سورة الليل ( 14 ، 15 ) ، وقال : وسيَصلون سعيراً في سورة النساء ( 10 ) ، والأكثر إذا ذكر لفعل هذه المادة مفعول ثان من أسماء النار أن يكون الفعل بمعنى الإِحراق كقوله تعالى : { فسوف نُصليه ناراً } في سورة النساءِ ( 30 ) . ومنه قوله هنا سأُصليه سقر .
وسقر : علَم لطبقة من جهنم ، عن ابن عباس : أنه الطبق السّادس من جهنم . قال ابن عطية : سقر هو الدرك السادس من جهنم على ما روي ا ه . واقتصر عليه ابنُ عطية . وجرى كلام جمهور المفسرين بما يقتضي أنهم يفسّرون سقر بما يرادف جهنم .
وسقر ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث لأنه اسم بُقعة من جهنم أو اسم جهنم وقد جرى ضمير سقر على التأنيث في قوله تعالى : لا تُبقي } إلى قوله : { عليها تسعة عشر . } وقيل سقر معرَّب نقله في «الإِتقان» عن الجواليقي ولم يذكر الكلمة المعرّبة ولا من أية لغة هو .