تفسير ابن عاشور

تفسير الآية رقم 40 من سورة المدثر

فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) وقوله : { في جنّات } يجوز أن يكون متعلقاً بقوله : { يتساءلون } قدّم للاهتمام ، و { يتساءلون } حال من { أصحاب اليمين } وهو مناط التفصيل الذي جيء لأجله بالاستثناء المنقطع .
ويجوز أن يكون { في جنات } خبر مبتدأ محذوف تقديره : هم في جنات . والجملة استئناف بياني لمضمون جملة الاستثناء ويَكون { يتساءَلون } حالاً من الضمير المحذوف .
ومعنى { يتساءلون } يجوز أن يكون على ظاهر صيغة التفاعل للدلالة على صدور الفعل من جانبين ، أي يسأل أصحاب اليمين بعضُهم بعضاً عن شأن المجرمين ، وتكون جملة { ما سلككم في سقر } بياناً لجملة { يتساءلون . } وضمير الخطاب في قوله : { سلككم } يؤذن بمحذوف والتقدير : فيسألون المجرمين ما سلككم في سقر ، وليس التفاتاً ، أو يقول بعض المسؤولين لأصحابهم جواباً لسائليهم قلنا لهم : ما سلككم في سقر .
ويجوز أن يكون صيغة التفاعل مستعملة في معنى تكرير الفعل أي يكثر سؤال كل أحد منهم سؤالاً متكرراً أو هو من تعدد السؤال لأجل تعدد السائلين .
قال الزمخشري في تفسير قوله تعالى : { واتقوا الله الذي تسَّاءَلون به } في أول سورة النساء ( 1 ) هو كقولك تَداعينا . ونقل عنه أيضاً أنه قال هنا : إذا كان المتكلم مفرداً يقال : دعوت ، وإذا كان المتكلم متعدّداً يقال : تداعينا ، ونظيره ، رميتُه وتراميناه ورأيت الهلال وتَراءيناه ولا يكون هذا تفاعلاً من الجانبين اه . ذكره صاحب الكشّاف } في سورة النساء ، أي هو فعل من جانب واحد ذي عدد كثير ، وعلى هذا يكون مفعول { يتساءَلون }