تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 27 من سورة القيامة
وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) ومعنى { وقيل مَنْ رَاقٍ } وقال قائل : من يَرْقِي هذا رُقْيَات لشفائه؟ أي سأل أهلُ المريض عن وِجْدَاننِ أحد يرقي ، وذلك عند توقع اشتداد المرض به والبحث عن عارف برقية المريض عادة عَربية ورد ذكرها في حديث السَرِيَّة الذين أَتَوْا على حيّ من أحياء العرب إذْ لُدغ سيد ذلك الحي فعَرض لهم رجل من أهل الحي ، فقال : هل فيكم مِن راق؟ إن في الماء رجلاً لديغاً أو سليماً . رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري وعبد الله بن عباس في الرقيا بفاتحة الكتاب .
والرقيا بالقصر ، ويقال بهاء تأنيث : هي كلام خاص معتقَد نفعه يقوله قائل عند المريض واضعاً يده في وقت القراءة على موضع الوَجَع من المريض أو على رأس المريض ، أو يكتبه الكاتب في خرقة ، أو ورقة وتعلق على المريض ، وكانت من خصائص التطبب يزعمون أنها تشفي مِن صَرَع الجنون ومن ضُر السموم ومن الحُمَّى .
ويختص بمعرفتها ناس يزعمون أنهم يتلقونها من عارفين فلذلك سَمَّوا الراقي ونحوه عَرَّافاً ، قال رؤبة بن العجاج
: ... بَذَلْتُ لعَرَّاف اليَمامة حُكْمَهُ
وعَرَّاففِ نجدٍ إِنْ هُمَا شَفَيَانِي ... فما تركَا من عُوذَة يعرفانها
ولا رُقْيَةٍ بهَا رَقَيَاني ... وقال النابغة يذكر حالةَ من لدغته أفعى
: ... تناذرها الراقُون من سُوء سمعها
تُطلقه طَوْراً وطَوراً تُراجع ... وكانَ الراقي ينفث على المَرْقِيّ ويتفُل ، وأشار إليه الحريري في المقامة التاسعة والثلاثين بقوله : «ثم إنه طَمَس المكتوب على غَفلة ، وتَفَلَ عليه مِائَةَ تَفْلَة» .
وأصل الرقية : ما ورثه العرب من طلب البركة بأهل الصلاح والدعاء إلى الله ، فأصلها وارد من الأديان السماوية ، ثم طرأ عليها سوء الوضع عند أهل الضلالة فألحقوها بالسحر أو بالطب ، ولذلك يخلطونها من أقواللٍ ربما كانت غير مفهومة ، ومن أشياءَ كأحجار أو أجزاء من عظم الحيوان أو شعره ، فاختلط أمرها في الأمم الجاهلة ، وقد جاء في الإِسلام الاستشفاء بالقرآن والدعوات المأثورة المتقبلة من أربابها وذلك من قبيل الدعاء .
والضمير المستتر في { ظَنَّ } عائد إلى الإِنسان في قوله : { بل يريد الإِنسان } [ القيامة : 5 ] أي الإِنسان الفاجر .