تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 17 من سورة الإنسان
وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) أتبع وصف الآنية ومحاسنها بوصف الشراب الذي يحويه وطِيبه ، فالكأس كأس الخمر وهي من جملة عموم الآنية المذكورة فيما تقدم ولا تسمى آنية الخمر كأساً إلاّ إذا كان فيها خمر فكون الخمر فيها هو مصحح تسميتها كأساً ، ولذلك حسن تعدية فعل السقْي إلى الكأس لأن مفهوم الكأس يتقوم بما في الإِناء من الخمر ، ومثل هذا قول الأعشى :
وكأسسٍ شربتُ على لذة ... وأُخرى تداويتُ منها بها
يريد : وخمر شربتُ .
والقول في إطلاق الكأس على الإِناء أو على ما فيه كالقول في نظيره المتقدم في قوله : { إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً } [ الإنسان : 5 ] .
ومعنى الآية أن هذه سقْية أخرى ، أي مرة يشربون من كأس مزاجها الكافور ومرة يسقون كأساً مزاجها الزنجبيل .
وضمير { فيها } للجنة من قوله : { جنة وحريراً } [ الإنسان : 12 ] .
وزنجبيل : كلمة معربة وأصلها بالكاف الأعجمية عوض الجيم . قال الجواليقي والثعالبي : هي فارسية ، وهو اسم لجذور مثل جذور السُّعْد بضم السين وسكون العين تكون في الأرض كالجَزَر الدقيق واللفت الدقيق لونها إلى البياض لها نبات له زهر ، وهي ذات رائحة عِطرية طيبة وطعمها شبيه بطعم الفُلفل ، وهو ينبت ببلاد الصين والسند وعُمان والشحر ، وهو أصناف أحسنها ما ينبت ببلاد الصين ، ويدخل في الأدوية والطبخ كالأفاويه ورائحته بهارية وطعمه حريف . وهو منبه ويستعمل منقوعاً في الماء ومربى بالسّكر .
وقد عرفه العرب وذكره شعراء العرب في طيب الرائحة .
أي يمزجون الخمر بالماء المنقوع فيه الزنجبيل لطيب رائحته وحسن طعمه .
وانتصب { عيناً } على البدل من { زنجبيلاً } كما تقدم في قوله : { كان مزاجها كافوراً عيناً يشرب بها عباد الله } [ الإنسان : 5 ، 6 ] .
ومعنى كون الزنجبيل عيناً : أن منقوعه أو الشراب المستخرج منه كثير كالعين على نحو قوله تعالى : { وأنهار من لبن لم يتغير طعمه } [ محمد : 15 ] ، أي هو كثير جداً وكان يعرف في الدنيا بالعزة .