تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 19 من سورة الإنسان
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19)
هذا طواف آخر غير طواف السُقاة المذكورِ آنفاً بقوله : { ويطاف عليهم بآنية من فضة } [ الإنسان : 15 ] الخ فهذا طواف لأداء الخِدمة فيشمل طواف السقاة وغيرهم .
و { وِلْدَان } : جمع وليد وأصل وليد فعيل بمعنى مفعول ويطلق الوليد على الصبي مجازاً مشهوراً بعلاقة ما كان ، لقصد تقريب عهده بالولادة ، وأحسن من يتخذ للخدمة الوِلدان لأنهم أخف حركةً وأسرع مشياً ولأن المخدوم لا يتحرج إذا أمرهم أو نهاهم .
ووصفوا بأنهم { مخلَّدون } للاحتراس مما قد يوهمه اشتقاق { وِلدان } من أنهم يشبون ويكتهلون ، أي لا تتغير صفاتهم فهم وِلدان دَوْماً وإلاّ فإن خلود الذوات في الجنة معلوم فما كان ذكره إلاّ لأنه تخليد خاص .
وقال أبو عبيدة { مخلَّدون } : محلَّون بالخِلدَة بوزن قِرَدَة . واحدها خُلْد كقُفل وهو اسم للقُرط في لغة حِمير .
وشُبهوا باللؤلؤ المنثور تشبيهاً مقيّداً فيه المشبه بحال خاص لأنهم شبهوا به في حسن المنظر مع التفرق .
وتركيب { إذا رأيتهم حسبتهم } مفيد للتشبيه المرادِ به التشابُهُ والخطاب في { رأيتَ } [ الإنسان : 20 ] خطاب لغَير معين ، أي إذا رآه الرائِي .
والقول في معنى الطواف تقدم عند قوله تعالى : { ويُطاف عليهم بآنية من فضة } الآية [ الإنسان : 15 ] .