تفسير ابن عاشور

تفسير الآية رقم 19 من سورة النبأ

وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19)
جملة هي حال من ضمير { تأتون } [ النبأ : 18 ] .
والتقدير : وقد فتحت السماء ، أي قد حصل النفخ قبلَ ذلك أو معه .
ويجوز أن تكون معطوفة على جملة { ينفخ في الصور } [ النبأ : 18 ] فيعتبر { يوم } [ النبأ : 18 ] مضافاً إلى هذه الجملة على حدّ قوله : { ويوم تَشَّقَّقُ السماء بالغمام } [ الفرقان : 25 ] . والتعبير بالفعل الماضي على هذا الوجه لتحقيق وقوع هذا التفتيح حتى كأنه قد مضى وقوعه .
وفتح السماء : انشقاقها بنزول الملائكة من بعض السماوات التي هي مقرّهم نزولاً يحضرون به لتنفيذ أمر الجزاء كما قال تعالى : { ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلاً الملك يومئذ الحق للرحمن } [ الفرقان : 25 ، 26 ] .
وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر وأبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب { وفتحت } بتشديد الفوقية ، وهو مبالغة في فعل الفَتح بكثرة الفتح أو شدته إشارة إلى أنه فتح عظيم لأن شق السماء لا يقدر عليه إلا الله .
وقرأه عاصم وحمزة والكسائي وخلَف بتخفيف الفوقية على أصل الفعل ومجرد تعلق الفتح بالسماء مشعر بأنه فتح شديد .
وفي الفتح عبرة لأن السماوات كانت ملتئمة فإذا فسد التئامها وتخللتها مفاتح كان معه انخرام نظام العالم الفاني قال تعالى : { إذا السماء انشقت } إلى قوله : { يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه } [ الانشقاق : 1 6 ] .
فالتفتح والفتح سواء في المعنى المقصود ، وهو تهويل { يوم الفصل } [ النبأ : 17 ] .
وفُرع على انفتاح السماء بفاء التعقيب { فكانت أبواباً } أي ذات أبواب .
فقوله { أبواباً } تشبيه بليغ ، أي كالأبواب ، وحينئذ لا يبقى حاجز بين سكان السماوات وبين الناس كما تقدم في قوله تعالى : { تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } [ المعارج : 4 ] .
والإِخبار عن السماء بأنها أبواب جرى على طريق المبالغة في الوصف بذات أبواب للدلالة على كثرة المفاتح فيها حتى كأنها هي أبواب وقريب منه قوله تعالى : { وفجرنا الأرض عيوناً } [ القمر : 12 ] حيث أسند التفجير إلى لفظ الأرض ، وجيء باسم العيون تمييزاً ، وهذا يناسب معنى قراءة التشديد ويؤكده ، ويقيد معنى قراءة التخفيف ويبينه .
و { كانت } بمعنى : صارت . ومعنى الصيرورة من معاني ( كَان ) وأخواتها الأربع وهي : ظَلَّ ، وبَاتَ ، وأَمسى وأَصبح ، وقرينة ذلك أنه مفرّع على { فتحت } ونظيره قوله تعالى : { فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان } [ الرحمن : 37 ] .
والأبواب : جمع باب ، وهو الفُرجة التي يُدخل منها في حائل من سور أو جدار أو حجاب أو خيمة ، وتقدم في قوله تعالى : { وغلقت الأبواب } في سورة يوسف ( 23 ) وقوله : { ادخلوا عليهم الباب } في سورة العقود ( 23 ) .