تفسير ابن عاشور

تفسير الآية رقم 2 من سورة النبأ

عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) والنَّبَأ : الخَبَر ، قيل : مطلقاً فيكون مرادفاً للَفْظِ الخبر ، وهو الذي جرى عليه إطلاق «القاموس» و«الصحاح» و«اللسان» .
وقال الراغب : «النبأ الخبر ذو الفائدة العظيمة يحصل به علم أو غلبة ظن ولا يقال للخبر نبأ حتى يتضمن هذه الأشياء الثلاثة ويكون صادقاً» ا ه . وهذا فرق حسن ولا أحسب البلغاء جَروا إلاّ على نحو ما قال الراغب فلا يقال للخبر عن الأمور المعتادة : نبأ وذلك ما تدل عليه موارد استعمال لفظ النبأ في كلام البلغاء ، وأحسب أن الذين أطلقوا مرادفة النبأ للخبر راعَوا ما يقع في بعض كلام الناس من تسامح بإطلاق النبأ بمعنى مطلق الخبر لضرب من التأويل أو المجاز المرسل بالإطلاق والتقييد ، فكثر ذلك في الكلام كثرة عسر معها تحديد مواقع الكلمتين ولكنْ أبلغُ الكلام لا يليق تخريجه إلا على أدق مواقع الاستعمال . وتقدم عند قوله تعالى : { ولقد جاءك من نبإِىْ المرسلين } في سورة الأنعام ( 34 ) وقوله : { قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون } [ ص : 67 ، 68 ] .
والعظيم حقيقته : كبير الجسم ويستعار للأمر المهم لأن أهمية المعنى تتخيّل بكبر الجسم في أنها تقع عند مدركها كمرأى الجسم الكبير في مرأى العين وشاعَت هذه الاستعارة حتى ساوت الحقيقة .
ووصف { النبأ } ب { العظيم } هنا زيادة في التنويه به لأن كونه وارداً من عالِم الغيب زاده عظمَ أوصاف وأهوال ، فوصف النبأ بالعظيم باعتبار ما وُصف فيه من أحوال البعث في ما نزل من آيات القرآن قبلَ هذا . ونظيره قوله تعالى : { قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون } في سورة ص ( 67 ، 68 ) .
والتعريف في النبأ } تعريف الجنس فيشمل كل نبأ عظيم أنبأهم الرسول صلى الله عليه وسلم به ، وأول ذلك إنباؤه بأن القرآن كلام الله ، وما تضمنه القرآن من إبطال الشرك ، ومن إثبات بعث الناس يوم القيامة ، فما يروى عن بعض السلف من تعيين نبأ خاص يُحمل على التمثيل . فعن ابن عباس : هو القرآن ، وعن مجاهد وقتادة : هو البعث يوم القيامة .
وسَوق الاستدلال بقوله : { ألم نجعل الأرض مهاداً } إلى قوله : { وجنات ألفافاً } [ النبأ : 16 ] يدل دلالة بينة على أن المراد من { النبأ العظيم } الإنباء بأن الله واحد لا شريك له .