تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 20 من سورة الانشقاق
فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) يجوز أن يكون التفريع على ما ذكر من أحوال مَن أوتي كتابه وراء ظهره ، وأعيد عليه ضمير الجماعة لأن المراد ب ( من ) الموصولة كل من تحق فيه الصلة فجرى الضمير على مدلول ( مَن ) وهو الجماعة . والمعنى : فما لهم لا يخافون أهوال يوم لقاء الله فيؤمنوا .
ويجوز أن يكون مفرعاً على قوله : { يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه } [ الانشقاق : 6 ] ، أي إذا تحققت ذلك فكيف لا يؤمن بالبعث الذين أنكروه . وجيء بضمير الغيبة لأن المقصود من الإِنكار والتعجيب خصوص المشركين من الذين شملهم لفظ الإِنسان في قوله : { يا أيها الإنسان إنك كادح } لأن العناية بموعظتهم أهم فالضمير التفات .
ويجوز أن يكون تفريعاً على قوله : { لتركبن طبقاً عن طبق } [ الانشقاق : 19 ] فيكون مخصوصاً بالمشركين باعتبار أنهم أهم في هذه المواعظ . والضمير أيضاً التفات .
ويجوز تفريعه على ما تضمنه القسم من الأحوال المقسم بها باعتبار تضمن القَسَم بها أنها دلائل على عظيم قدرة الله تعالى وتفرده بالإلهية ففي ذكرها تذكرة بدلالتها على الوحدانية . والالتفات هو هو .
وتركيب «ما لهم لا يؤمنون» يشتمل على ( مَا ) الاستفهامية مُخبر عنها بالجار والمجرور . والجملةُ بعد { لهم } حال من ( ما ) الاستفهامية .
وهذا الاستفهام مستعمل في التعجيب من عدم إيمانهم وفي إنكار انتفاء إيمانهم لأن شأن الشيء العجيب المنكَر أن يُسأل عنه فاستعمال الاستفهام في معنى التعجيب والإِنكار مجاز بعلاقة اللزوم ، واللام للاختصاص .
وجملة : { لا يؤمنون } في موضع الحال فإنها لو وقع في مكانها اسمٌ لَكان منصوباً كما في قوله تعالى : { فما لكم في المنافقين فئتين } [ النساء : 88 ] والحال هي مناط التعجيب ، وقد تقدم تفصيل القول في تركيبه وفي الصّيغ التي ورد عليها أمثال هذا التركيب عند قوله تعالى : { قالوا وما لنا ألاَّ نقاتل في سبيل الله } في سورة البقرة ( 246 ) .
ومتعلق يؤمنون } محذوف يدل عليه السّياق ، أي بالبعث والجزاء .
ويجوز تنزيل فعل { يؤمنون } منزلة اللازم ، أي لا يتصفون بالإِيمان ، أي ما سبب أن لا يكونوا مؤمنين ، لظهور الدلائل على انفراد الله تعالى بالإلهية فكيف يستمرون على الإِشراك به .
والمعنى : التعجيب والإِنكار من عدم إيمانهم مع ظهور دلائل صدق ما دُعوا إليه وأُنذروا به .