تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 91 من سورة التوبة
استئناف بياني لجواب سؤال مقدّر ينشأ عن تهويل القعود عن الغزو وما توجّه إلى المخلّفين من الوعيد . استيفاءً لأقسام المخلّفين من ملوم ومعذور من الأعراب أو من غيرهم .
وإعادة حرف النفي في عطف الضعفاء والمرضى لتوكيد نفي المؤاخذة عن كلّ فريق بخصوصه .
والضعفاء : جمع ضعيف وهو الذي به الضعف وهو وهن القوة البدنية من غير مرض .
والمرضَى : جمع مريض وهو الذي به مرض . والمرض تغيّر النظام المعتاد بالبدن بسبب اختلال يطرأ في بعض أجزاء المزاج ، ومن المرض المزمنُ كالعمى والزمانة وتقدم في قوله : { وإن كنتم مرضى أو على سفر } في سورة النساء ( 43 ).
والحرج : الضِيق ويراد به ضيق التكليف ، أي النهي .
والنصح : العمل النافع للمنصوح وقد تقدّم عند قوله تعالى : { لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم } في سورة الأعراف ( 79 ) وتقدّم وجه تعديته باللام وأطلق هنا على الإيمان والسعي في مرضاة الله ورسوله والامتثال والسعي لما ينفع المسلمين ، فإنّ ذلك يشبه فعل الموالي الناصح لمنصوحه .
وجملة : ما على المحسنين من سبيل } واقعة موقع التعليل لنفي الحرج عنهم وهذه الجملة نُظِمت نَظْم الأمثال . فقوله : { ما على المحسنين من سبيل } دليل على علّة محذوفة . والمعنى ليس على الضعفاء ولا على من عُطف عليهم حرج إذا نصحوا لله ورسوله لأنّهم محسنون غير مسيئين وما على المحسنين من سبيل ، أي مؤاخذة أو معاقبة والمحسنون الذين فَعلوا الإحسان وهو ما فيه النفع التامّ .
والسبيل : أصله الطريق ويطلق على وسائل وأسباب المؤاخذة باللوم والعقاب لأنّ تلك الوسائل تشبه الطريق الذي يصل منه طالب الحقّ إلى مكان المحقوق ، ولمراعاة هذا الإطلاق جُعل حرف الاستعلاء في الخبر عن السبيل دون حرف الغاية . ونظيره قوله تعالى : { فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً } [ النساء : 34 ] وقوله : { فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً } كلاهما في سورة النساء ( 90 ). فدخل في المحسنين هؤلاء الذين نصحوا لله ورسوله . وليس ذلك من وضع المظهر موضع المضمر لأنّ هذا مرمَى آخر هو أسمى وأبعد غاية .
ومِنْ } مؤكّدة لشمول النفي لكلّ سبيل .
وجملة { والله غفور رحيم } تذييل والواو اعتراضية ، أي شديد المغفرة ومن مغفرته أن لم يؤاخذ أهل الأعذار بالقعود عن الجهاد . شديد الرحمة بالناس ومن رحمته أن لم يكلّف أهل الأعذار ما يَشق عليهم .