تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 10 من سورة الضحى
وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وكذلك القول في تقديم { السائل } وتقديم { بنعمة ربك } على فعليهما .
وقد قوبلت النعم الثلاث المتفرع عليها هذا التفصيل بثلاثة أعمال تقابلها . فيجوز أن يكون هذا التفصيل على طريقة اللف والنشر المرتب . وذلك ما درج عليه الطيبي ، ويجري على تفسير سفيان بن عيينة { السائل } بالسائل عن الدين والهدى ، فقوله : { فأما اليتيم فلا تقهر } مقابل لقوله : { ألم يجدك يتيماً فآوى } [ الضحى : 6 ] لا محالة ، أي فكما آواك ربك وحفظك من عوارض النقص المعتاد لليُتم ، فكن أنت مُكرماً للأيتام رفيقاً بهم ، فجمع ذلك في النهي عن قهره ، لأن أهل الجاهلية كانوا يقهرون الأيتام ولأنه إذا نهى عن قهر اليتيم مع كثرة الأسباب لقهره لأن القهر قد يصدر من جراء القلق من مطالب حاجاته فإن فلتات اللسان سريعة الحصول كما قال تعالى : { فلا تقل لهما أف } [ الإسراء : 23 ] وقال : { وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولاً ميسوراً } [ الإسراء : 28 ] .
والقهر : الغلبة والإذلال وهو المناسب هنا ، وتكون هذه المعاني بالفِعل كالدَّعّ والتحقير بالفعل وتكون بالقول قال تعالى : { وقولوا لهم قولاً معروفاً } [ النساء : 5 ] ، وتكون بالإِشارة مثل عُبوس الوجه ، فالقهر المنهي عنه هو القهر الذي لا يعامَل به غير اليتيم في مثل ذلك فأما القهر لأجل الاستصلاح كضرب التأديب فهو من حقوق التربية قال تعالى : { وإن تخالطوهم فإخوانكم } [ البقرة : 220 ] .
وقوله : { وأما السائل فلا تنهر } مقابل قوله : { ووجدك ضالاً فهدى } [ الضحى : 7 ] لأن الضلال يستعدي السؤال عن الطريق ، فالضال معتبر من نصف السائلين .
والسائل عن الطريق قد يتعرض لحماقة المسؤول كما قال كعب
: ... وقال كُل خليل كنت آمله :
لا أُلْهِيَنَّك أني عنك مشغول ... فجعل الله الشكر عن هدايته إلى طريق الخير أن يوسع باله للسائلين .
فلا يختص السائلُ بسائل العطاء بل يشمل كل سائل وأعظم تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم بإرشاد المسترشدين ، وروي هذا التفسير عن سفيان بن عيينة . روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الناس لكم تبع وإن رجالاً يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون فإذا أتوكم فاستَوْصوا بهم خيراً " قال هارون العبدي : كنا إذا أتيْنا أبا سعيد يقول : مرحباً بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم
والتعريف في { السائل } تعريف الجنس فيعم كل سائل ، أي عمّا يُسال النبي صلى الله عليه وسلم عن مثله .
ويكون النشر على ترتيب اللف .
فإن فسر { السائل } بسائل معروف كان مقابل قوله : { ووجدك عائلاً فأغنى } [ الضحى : 8 ] وكان من النشر المشوش ، أي المخالف لترتيب اللف ، وهو ما درج عليه «الكشاف» .
والنهر : الزجر بالقول مثل أن يقول : إليك عني . ويستفاد من النهي عن القهر والنهر النهي عما هو أشد منهما في الأذى كالشتم والضرب والاستيلاء على المال وتركه محتاجاً وليس من النهر نهي السائل عن مخالفة آداب السؤال في الإِسلام .