الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 32 من سورة يونس
ثم أرشدهم- سبحانه- إلى الطريق القويم لو كانوا يعقلون فقال: فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ....
أى: فذلكم الذي فعل ما فعل من رزقكم ومن تدبير أمركم، هو الله المربى لكم بنعمه، وهو الذي لا تحق العبودية والألوهية إلا له وحده.
إذا كان الأمر كذلك فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ أى لا يوجد غير الحق شيء يتبع سوى الضلال، فمن ترك الحق وهو عبادة الله وحده، فقد وقع في الباطل والضلال وهو عبادة غيره من الآلهة الأخرى.
قال القرطبي: «ثبت عن عائشة- رضى الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل قال: «اللهم لك الحمد» الحديث، وفيه: أنت الحق، ووعدك الحق، وقولك الحق، ولقاؤك الحق، والجنة حق والنار حق، والنبيون حق، ومحمد حق ... » .
فقوله: أنت الحق، أى الواجب الوجود، وأصله من حق الشيء إذا ثبت ووجب- وهذا الوصف لله- تعالى- بالحقيقة، إذ وجوده بنفسه لم يسبقه عدم ولا يلحقه عدم، وما عداه مما يقال عليه هذا الاسم مسبوق بعدم، ويجوز عليه لحاق العدم، ووجوده من موجده لا من نفسه.
ومقابلة الحق بالضلال عرف لغة وشرعا كما في هذه الآية.. والضلال حقيقته الذهاب عن الحق مأخوذ من ضلال الطريق، وهو العدول عن سمته، يقال: ضل الطريق وأضل الشيء إذا أضاعه..» .
وقوله: فَأَنَّى تُصْرَفُونَ أى: فكيف تصرفون وتتحولون عن الحق إلى الضلال، بعد اعترافكم وإقراركم بأن خالقكم ورازقكم ومدبر أمركم هو الله- تعالى- وحده.
فأنى هنا بمعنى كيف، والاستفهام لإنكار واقعهم المخزى واستبعاده والتعجب منه.
ومن الأحكام التي تؤخذ من هذه الآية الكريمة: أن الحق والباطل، والهدى والضلال، نقيضان لا يجتمعان، لأن النقيضين يمتنع أن يكونا حقين وأن يكونا باطلين في وقت واحد بل متى ثبت أن أحدهما هو الحق، وجب أن يكون الآخر هو الباطل.