الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 50 من سورة يونس
وقوله «أرأيتم» بمعنى أخبرونى. وكلمة أرأيت تستعمل في القرآن للتنبيه والحث على الرؤية والتأمل، فهو استفهام للتنبيه مؤداه: أرأيت كذا أو عرفته؟ إن لم تكن أبصرته أو عرفته فانظره وتأمله وأخبرنى عنه.
ولما كانت الرؤية للشيء سببا لمعرفته وللإخبار عنه، أطلق السبب وأريد المسبب فهو مجاز مرسل علاقته السببية والمسببية.
وقوله: بياتا أى: ليلا، ومنه البيت لأنه يبات فيه. يقال: بات يبيت بيتا وبياتا.
والمعنى: أخبرونى أيها الجاهلون الحمقى: أى دافع جعلكم تستعجلون نزول العذاب؟ إن وقوع العذاب سواء أكان بالليل أم بالنهار لا يمكن دفعه، ولا يمكن أن يتعجله عاقل، لأنه- كما يقول صاحب الكشاف-: كل مكروه، مر المذاق، موجب للنفار منه، فكيف ساغ لكم أن تستعجلوا نزول شيء فيه هلاككم ومضرتكم؟!! وقال- سبحانه- بَياتاً ولم يقل ليلا، للإشعار بمجيء العذاب في وقت غفلتهم ونومهم بحيث لا يشعرون به، فهم قد يقضون جانبا من الليل في اللهو واللعب، ثم ينامون فيأتيهم العذاب في هذا الوقت الذي هجعوا فيه.
فالآية الكريمة توبيخ لهم على استعجالهم وقوع شيء من شأن العقلاء أنهم يرجون عدم وقوعه.
ولذا قال القرطبي: «قوله: ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ استفهام معناه التهويل والتعظيم. أى: ما أعظم ما يستعجلون به. كما يقال لمن يطلب أمرا تستوخم عاقبته: ماذا تجنى على نفسك» .
وجواب الشرط لقوله: إِنْ أَتاكُمْ ... محذوف والتقدير: إن أتاكم عذابه في أحد هذين الوقتين أفزعكم وأهلككم فلماذا تستعجلون وقوع شيء هذه نتائجه؟
وقد ذكر صاحب الكشاف وجها آخر بعد أن ذكر هذا الوجه فقال: فإن قلت: فهلا قيل ماذا يستعجلون منه؟ قلت: أريدت الدلالة على موجب ترك الاستعجال وهو الإجرام، لأن من شأن المجرم أن يخاف التعذيب على إجرامه، ويهلك فزعا من مجيئه وإن أبطأ- فضلا عن أن يستعجله- ويجوز أن يكون ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ جوابا للشرط كقولك إن أتيتك ماذا تطعمني .