الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 75 من سورة يونس
وقوله- سبحانه- ثُمَّ بَعَثْنا.. معطوف على ما قبله وهو قوله: ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ ... من باب عطف القصة على القصة، وهو من قبيل عطف الخاص على العام، لما في هذا الخاص من عبر وعظات.
والمعنى: ثم بعثنا من بعد هؤلاء الرسل الكرام الذين جاءوا لأقوامهم بالأدلة والبينات.
مُوسى وَهارُونَ عليهما السلام.. إِلى فِرْعَوْنَ الذي قال لقومه «أنا ربكم الأعلى» وإلى مَلَأَهُ أى: خاصته وأشراف مملكته وأركان دولته، ولذلك اقتصر عليهم، لأن غيرهم كالتابع لهم.
بِآياتِنا أى: بعثناهما إليهم مؤيدين بآياتنا، الدالة على قدرتنا ووحدانيتنا وعلى صدقهما فيما يبلغانه عنا من هدايات وتوجيهات.
ويرى كثير من المفسرين أن المراد بقوله بِآياتِنا الآيات التسع التي جاء ذكرها في قوله تعالى في سورة الإسراء وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ..
قال الجمل: «وتقدم في الأعراف منها ثمانية، ثنتان في قوله- تعالى- فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ وقوله: وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ .
وواحدة في قوله- تعالى-: وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُون وخمسة في قوله- تعالى-: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ.... . والتاسعة في هذه السورة- سورة يونس- في قوله- تعالى-:
رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ .
ثم بين- سبحانه- موقف فرعون وملئه من دعوة موسى لهم فقال: فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ.
والاستكبار: ادعاء الكبر من غير استحقاق، والفاء فصيحة، والتقدير: ثم بعثنا من بعد أولئك الرسل موسى وهارون إلى فرعون وملئه، فأتياهم ليبلغاهم دعوة الله، ويأمراهم بإخلاص العبادة له، فاستكبروا عن طاعتهما، وأعجبوا بأنفسهم، وكانوا قوما شأنهم وديدنهم الإجرام، وهو ارتكاب ما عظم من الذنوب، وقبح من الأفعال.
ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال عند تفسيره لهذه الجملة: فاستكبروا عن قبولها، وهو أعظم الكبر أن يتهاون العبيد برسالة ربهم بعد تبينها، ويتعظموا عن تقبلها» .