الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 92 من سورة يونس
وقوله- سبحانه-: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً.. تهكم به، وتخييب لآماله، وقطع لدابر أطماعه، والمعنى إن دعواك الإيمان الآن مرفوضة، لأنها جاءت في غير وقتها، وإننا اليوم بعد أن حل بك الموت، نلقى بجسمك الذي خلا من الروح على مكان مرتفع من الأرض لتكون عبرة وعظة للأحياء الذين يعيشون من بعدك سواء أكانوا من بنى إسرائيل أم من غيرهم، حتى يعرف الجميع بالمشاهدة أو الإخبار، سوء عاقبة المكذبين، وأن الألوهية لا تكون إلا لله الواحد الأحد، الفرد الصمد.
قال الإمام الشوكانى: «قوله فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ.. قرئ ننجيك بالتخفيف، والجمهور على التثقيل.
أى: نلقيك على نجوة من الأرض. وذلك أن بنى إسرائيل لم يصدقوا أن فرعون قد غرق، وقالوا: هو أعظم شأنا من ذلك، فألقاه الله على نجوة من الأرض أى مكان مرتفع من الأرض حتى شاهدوه.
ومعنى بِبَدَنِكَ بجسدك بعد سلب الروح منه. وقيل معناه بدرعك والدرع يسمى بدنا، ومنه قول كعب بن مالك:
ترى الأبدان فيها مسبغات ... على الأبطال واليلب الحصينا
أراد بالأبدان الدروع - وباليلب- بفتح الياء واللام- الدروع اليمانية كانت تتخذ من الجلود.
وقوله: وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ تذييل قصد به دعوة الناس جميعا إلى التأمل والتدبر، والاعتبار بآيات الله، وبمظاهر قدرته.
أى: وإن كثيرا من الناس لغافلون عن آياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا على إهلاك كل ظالم جبار.
قال ابن كثير: وكان هلاك فرعون يوم عاشوراء. كما قال البخاري: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن أبى بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة واليهود تصوم يوم عاشوراء فقالوا: هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: أنتم أحق بموسى منهم فصوموه» .