الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 88 من سورة يوسف
وقوله- تعالى- فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا ... حكاية لما قاله إخوة يوسف له، بعد أن امتثلوا أمر أبيهم، فخرجوا إلى مصر للمرة الثالثة، ليتحسسوا من يوسف وأخيه، وليشتروا من عزيزها ما هم في حاجة إليه من طعام.
والبضاعة: هي القطعة من المال، يقصد بها شراء شيء.
والمزجاة: هي القليلة الرديئة التي ينصرف عنها التجار إهمالا لها.
قالوا: وكانت بضاعتهم دراهم زيوفا لا تؤخذ إلا بوضيعة- أى: بأقل قيمة- وقيل غير ذلك.
وأصل الإزجاء: السوق والدفع قليلا قليلا، ومنه قوله- تعالى- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً.... أى: يرسله رويدا رويدا ...
وسميت البضاعة الرديئة القليلة مزجاة، لأنها ترد وتدفع ولا يقبلها التجار إلا بأبخس الأثمان.
والمعنى: وقال إخوة يوسف له بأدب واستعطاف، بعد أن دخلوا عليه للمرة الثالثة «يا أيها العزيز» أى: الملك صاحب الجاه والسلطان والسعة في الرزق، «مسنا وأهلنا الضر» أى:
أصابنا وأصاب أهلنا معنا الفقر والجدب والهزل من شدة الجوع.
وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ أى: وجئنا معنا من بلادنا ببضاعة قليلة رديئة يردها وينصرف عنها كل من يراها من التجار، إهمالا لها، واحتقارا لشأنها.
وإنما قالوا له ذلك: استدرارا لعطفه، وتحريكا لمروءته وسخائه، قبل أن يخبروه بمطلبهم الذي حكاه القرآن في قوله:
فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا ... أى: هذا هو حالنا شرحناه لك، وهو يدعو إلى الشفقة والرحمة، ما دام أمرنا كذلك، فأتمم لنا كيلنا ولا تنقص منه شيئا، وتصدق علينا فوق حقنا بما أنت أهل له من كرم ورحمة إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ على غيرهم جزاء كريما حسنا ويبدو أن يوسف- عليه السلام- قد تأثر بما أصابهم من ضر وضيق حال، تأثرا جعله لا يستطيع أن يخفى حقيقته عنهم أكثر من ذلك، فبادرهم بقوله: قالَ: هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ.