الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 37 من سورة إبراهيم
وانطلق إبراهيم- عليه السلام- حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه، استقبل بوجهه البيت- وكان إذ ذاك مرتفعا من الأرض كالرابية- ثم دعا بهذه الدعوات، ورفع يديه فقال: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ.. الآية.
ثم إنها جعلت ترضع ابنها وتشرب مما في السقاء حتى إذا نفد ما في السقاء، عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه يتلبط- أى يتلوى ويتمرغ- من شدة العطش، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا. فلم تر أحدا، فهبطت من الصفا، حتى إذا بلغت الوادي، رفعت طرف درعها، ثم سعت سعى الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا، فلم تر أحدا، ففعلت ذلك سبع مرات، ولذلك سعى الناس بينهما سبعا.
فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت: صه! تريد نفسها ثم تسمعت فسمعت أيضا صوتا فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضه وتغرف منه في سقائها وهو يفور، فشربت وأرضعت ولدها، وقال لها الملك: لا تخافي الضيعة، فإن هاهنا بيت الله- تعالى- يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإن الله- تعالى- لن يضيع أهله.
ثم إنه مرت بهما رفقة من جرهم، فرأوا طائرا عائفا- أى يتردد على الماء ولا يمضى- فقالوا: لا طير إلا على الماء، فبعثوا رسولهم فنظر فإذا بالماء، فأتاهم فقصدوه وأم إسماعيل عنده، فقالوا: أشركينا في مائك نشركك في ألباننا، ففعلت، فلما أدرك إسماعيل- عليه السلام- زوجوه امرأة منهم» .