الوسيط للطنطاوي

تفسير الآية رقم 21 من سورة الحجر

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك أن كل شيء في هذا الكون، خاضع لإرادته وقدرته، وتصرفه.. فقال- تعالى- وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ، وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ.
و «إن» نافية بمعنى ما، و «من» مزيدة للتأكيد. و «خزائنه» جمع خزانة، وهي في الأصل تطلق على المكان الذي توضع فيه نفائس الأموال للمحافظة عليها.
والمعنى: وما من شيء من الأشياء الموجودة في هذا الكون، والتي يتطلع الناس إلى الانتفاع بها. إلا ونحن قادرون على إيجادها وإيجاد أضعافها بلا تكلف أو إبطاء، كما قال- تعالى-: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ .
فقد شبه- سبحانه- اقتداره على إيجاد كل شيء، بالخزائن المودعة فيها الأشياء، والمعدة لإخراج ما يشاء إخراجه منها بدون كلفة أو إبطاء.
والمراد بالإنزال في قوله وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ. الإيجاد والإخراج إلى هذه الدنيا، مع تمكين الناس من الحصول عليه.
أى: وما نخرج هذا الشيء إلى حيز الوجود بحيث يتمكن الناس من الانتفاع به إلا ملتبسا بمقدار معين، وفي وقت محدد، تقتضيه حكمتنا، وتستدعيه مشيئتنا، ويتناسب مع حاجات العباد وأحوالهم، كما قال- تعالى- وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ، وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ، إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ .