الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 99 من سورة الحجر
والمراد بالأمر بالعبادة في قوله تعالى وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ المداومة عليها وعدم التقصير فيها.
والمراد باليقين: الموت، سمى بذلك لأنه أمر متيقن لحوقه بكل مخلوق.
أى: ودم- أيها الرسول الكريم- على عبادة ربك وطاعته ما دمت حيا، حتى يأتيك الموت الذي لا مفر من مجيئه في الوقت الذي يريده الله- تعالى-.
ومما يدل على أن المراد باليقين هنا الموت قوله- تعالى- حكاية عن المجرمين: قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ. وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ. وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ. حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ أى: الموت.
ويدل على ذلك أيضا ما رواه البخاري عن أم العلاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل على
عثمان بن مظعون وقد مات، قالت: قلت: رحمة الله عليك أبا السائب، فشهادتى عليك لقد أكرمك الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما يدريك أن الله قد أكرمه ... أما هو فقد جاءه اليقين- أى الموت- وإنى لأرجو له الخير» .
قال الإمام ابن كثير: ويستدل بهذه الآية الكريمة، على أن العبادة كالصلاة ونحوها، واجبة على الإنسان ما دام عقله ثابتا، فيصلى بحسب حاله، كما ثبت في صحيح البخاري عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب» .
ويستدل بها أيضا على تخطئة من ذهب من الملاحدة إلى أن المراد باليقين المعرفة، فمتى وصل أحدهم إلى المعرفة، سقط عنه التكليف عندهم. وهذا كفر وضلال وجهل ... » .
وبعد: فهذه سورة الحجر، وهذا تفسير لها. نسأل الله- تعالى- أن يجعله خالصا لوجهه، ونافعا لعباده. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.