الوسيط للطنطاوي

تفسير الآية رقم 17 من سورة مريم

وقوله: فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً
تأكيد لانتباذها من أهلها، واعتزالها إياهم.
أى: اذكر وقت أن اعتزلت أهلها. في مكان يلي شرق بيت المقدس، فاتخذت بينها وبينهم حجابا وساترا للتفرغ لعبادة ربها.
ثم بين- سبحانه- ما أكرمها به في حال خلوتها فقال: فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا.
أى: فأرسلنا إليها روحنا وهو جبريل- عليه السلام- فتشبه لها في صورة بشر سوى معتدل الهيئة، كامل البنية، كأحسن ما يكون الإنسان.
يقال: رجل سوى، إذا كان تام الخلقة عظيم الخلق، لا يعيبه في شأن من شئونه إفراط أو تفريط.
والإضافة في قوله رُوحَنا
للتشريف والتكريم، وسمى جبريل- عليه السلام- روحا لمشابهة الروح الحقيقية في أن كلا منهما مادة الحياة للبشر. فجبريل من حيث ما يحمل من الرسالة الإلهية تحيا به القلوب، والروح تحيا به الأجسام.
وإنما تمثل لها جبريل- عليه السلام- في صورة بشر سوى، لتستأنس بكلامه، وتتلقى منه ما يلقى إليها من كلماته، ولو بدا لها في صورته التي خلقه الله- تعالى- عليها. لنفرت منه، ولم تستطع مكالمته.
وقوله: بَشَراً سَوِيًّا
حالان من ضمير الفاعل في قوله فَتَمَثَّلَ لَها.