الوسيط للطنطاوي

تفسير الآية رقم 108 من سورة طه

ثم بين- سبحانه- أحوال الناس يوم القيامة فقال: يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ....
والمراد بالداعي: الملك الذي يدعوهم إلى المثول للحساب.
قيل: يناديهم بقوله: أيتها العظام البالية، والجلود المتمزقة واللحوم المتفرقة.. قومي إلى ربك للحساب والجزاء، فيسمعون الصوت ويتبعونه.
والمعنى: في هذا اليوم الذي تنسف فيه الجبال، وتصير الأرض قاعا صفصفا يقوم الناس من قبورهم، ويتبعون من يناديهم للحساب والجزاء دون أن يحيدوا عن هذا المنادى، أو أن يملكوا مخالفته أو عصيانه، بل الجميع يسمع دعاءه ويستجيب لأمره.
كما قال- تعالى-: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ. خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ: مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ .
وقوله: وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً أى: وخفتت وسكنت الأصوات كلها هيبة وخوفا من الرحمن- عز وجل- فلا تسمع- أيها المخاطب- في هذا اليوم الهائل الشديد إِلَّا هَمْساً أى: إلا صوتا خفيا خافتا. يقال: همس الكلام يهمسه همسا، إذا أخفاه، ويقال للأسد: الهموس، لخفاء وطئه.