الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 130 من سورة طه
والفاء في قوله- تعالى-: فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ ... فصيحة، أى: إذا كان الأمر كما ذكرنا لك- أيها الرسول الكريم- من أن تأخير عذاب أعدائك للإمهال وليس للإهمال.. فاصبر على ما يقولونه في شأنك من أنك ساحر أو مجنون.. وسر في طريقك دون أن تلتفت إلى إيذائهم أو مكرهم واستهزائهم.
ثم أرشده- سبحانه- إلى ما يشرح صدره، ويجلو همه فقال: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها، وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى.
أى: وعليك- أيها الرسول الكريم- أن تكثر من تسبيح ربك وتحميده وتنزيهه قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، وفي ساعات الليل وفي «أطراف النهار» .
أى: في الوقت الذي يجمع الطرفين، وهو وقت الزوال، إذ هو نهاية النصف الأول من النهار، وبداية النصف الثاني منه، إذ في هذا التسبيح والتحميد والتنزيه لله- تعالى- والثناء عليه بما هو أهله، جلاء للصدور، وتفريج للكروب وأنس للنفوس، واطمئنان للقلوب.
ويرى كثير من المفسرين، أن المراد بالتسبيح هنا: إقامة الصلاة والمداومة عليها.
قال ابن كثير: قوله وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يعنى صلاة الفجر وَقَبْلَ غُرُوبِها يعنى صلاة العصر، كما جاء في الصحيحين عن جرير بن عبد الله البجلي قال: كنا جلوسا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال: «إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته- أى: لا ينالكم ضيم في رؤيته بأن يراه بعضكم دون بعض- فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا» ثم قرأ هذه الآية..
وقوله: وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ أى: من ساعاته فتهجد به، وحمله بعضهم على المغرب والعشاء. وَأَطْرافَ النَّهارِ في مقابلة آناء الليل لَعَلَّكَ تَرْضى كما قال- سبحانه-: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى .