الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 7 من سورة طه
وقوله- سبحانه-: وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى بيان لشمول علمه بكل شيء، بعد بيان شمول قدرته.
والجهر بالقول: رفع الصوت به. والسر: ما حدث به الإنسان غيره بصورة خفية.
وأخفى أفعل تفضيل وتنكيره للمبالغة في الخفاء.
والمعنى: وإن تجهر- أيها الرسول- بالقول في دعائك أو في مخاطبتك لربك، فربك- عز وجل- غنى عن ذلك، فإنه يعلم ما يحدث به الإنسان غيره سرا، ويعلم أيضا ما هو أخفى من ذلك وهو ما يحدث به الإنسان نفسه دون أن يطلع عليه أحد من الخلق.
قال- تعالى-: وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ. أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ .
وقال- سبحانه-: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ .
ومنهم من يرى أن لفظ أَخْفى فعل ماض. فيكون المعنى: وإن تجهر بالقول في ذكر أو دعاء فلا تجهد نفسك بذلك فإنه- تعالى- يعلم السر الذي يكون بين اثنين، ويعلم ما أخفاه- سبحانه- عن عباده من غيوب لا يعلمها إلا هو، ويعلم ما سيفعله الإنسان من أعمال في المستقبل، قبل أن يعلم هذا الإنسان أنه سيفعلها.
قال الجمل: وقوله: أَخْفى جوزوا فيه وجهين: أحدهما: أنه أفعل تفضيل. أى:
وأخفى من السر. والثاني: أنه فعل ماض. أى: وأخفى الله من عباده غيبه، كقوله:
وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً .