الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 37 من سورة الأنبياء
ثم بين- سبحانه- ما جبل عليه الإنسان من تسرع وتعجل فقال: خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ.
والعجل: طلب الشيء وتحريه قبل أوانه، وهو ضد البطء.
والمراد بالإنسان: جنسه.
والمعنى: خلق جنس الإنسان مجبولا على العجلة والتسرع فتراه يستعجل حدوث الأشياء قبل وقتها المحدد لها، مع أن ذلك قد يؤدى إلى ضرره.
فالمراد من الآية الكريمة وصف الإنسان بالمبالغة في تعجل الأمور قبل وقتها، حتى لكأنه مخلوق من نفس التعجل. والعرب تقول: فلان خلق من كذا، يعنون بذلك المبالغة في اتصاف هذا الإنسان بما وصف به، ومنه قولهم خلق فلان من كرم، وخلقت فلانة من الجمال.
وقوله: سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ تهديد وزجر لأولئك الكافرين الذين كانوا يستعجلون العذاب.
أى: سأريكم عقابي وانتقامي منكم- أيها المشركون- فلا تتعجلوا ذلك فإنه آت لا ريب فيه.
قال ابن كثير: والحكمة في ذكر عجلة الإنسان هنا: أنه- سبحانه- لما ذكر المستهزئين بالرسول صلّى الله عليه وسلّم وقع في النفوس سرعة الانتقام منهم. فقال- سبحانه-: خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ لأنه- تعالى- يملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، يؤجل ثم يعجل، وينظر ثم لا يؤخر، ولهذا قال: سَأُرِيكُمْ آياتِي أى: نقمى واقتدارى على من عصاني فَلا تَسْتَعْجِلُونِ .
وقال الآلوسى: «والنهى عن استعجالهم إياه- تعالى- مع أن نفوسهم جبلت على العجلة، ليمنعوها عما تريده وليس هذا من التكليف بما لا يطاق. لأنه- سبحانه- أعطاهم من الأسباب ما يستطيعون به كف النفس عن مقتضاها، ويرجع هذا النهى إلى الأمر بالصبر» .