الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 77 من سورة الحج
والمراد بالركوع والسجود هنا: الصلاة، وعبر عنها بهما، لأنهما أهم أركانها، وناداهم- سبحانه- بصفة الإيمان، لحضهم على الامتثال لما أمروا به.
أى: يا من آمنتم بالله- تعالى- وبملائكته وبكتبه وبرسله وباليوم الآخر حافظوا على أداء الصلاة في مواقيتها بخشوع وإخلاص، لأن هذه الصلاة من شأنها أن تنهاكم عن الفحشاء والمنكر، وأن ترفع درجاتكم عند خالقكم.
وقوله- تعالى-: وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ أى: واعبدوا ربكم الذي تولاكم برعايته وتربيته في كل مراحل حياتكم، عبادة خالصة لوجهه الكريم.
وقوله: وَافْعَلُوا الْخَيْرَ تعميم بعد التخصيص، إذ فعل الخير يشمل كل قول وعمل يرضى الله- تعالى-: كإنفاق المال في وجوه البر، وكصلة الرحم وكالإحسان إلى الجار وكغير ذلك من الأفعال التي حضت عليها تعاليم الإسلام.
وقوله- تعالى-: لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ تذييل قصد به التحريض على امتثال ما أمرهم الله- تعالى- به، والفلاح: الظفر بالمطلوب.
أى: أدوا الصلاة بخشوع ومواظبة، واعبدوا ربكم عبادة خالصة، وافعلوا الخير الذي يقربكم من خالقكم، لكي تنالوا رضاه وثوابه- عز وجل-.
فكلمة «لعل» للتعليل، ويصح أن تكون على معناها الحقيقي وهو الرجاء، ولكن على تقدير صدوره من العباد، فيكون المعنى: وافعلوا الخير حالة كونكم راجين الفلاح، ومتوقعين الفوز والنجاح.
والمتأمل في هذه الآية الكريمة يراها أنها قد جمعت أنواع التكاليف الشرعية، وأحاطت بها من كل جوانبها.
قال الآلوسى ما ملخصه: وهذه الآية آية سجدة عند الشافعى وأحمد، لظاهر ما فيها من الأمر بالسجود، ولحديث عقبة بن عامر قال: قلت يا رسول الله أفضلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين؟ قال: نعم فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما.
وذهب أبو حنيفة ومالك إلى أنها ليست آية سجدة، لأنها مقرونة بالأمر بالركوع، والمعهود في مثله من القرآن، كونه أمرا بما هو ركن للصلاة، كما في قوله- تعالى-: يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ وما روى من حديث عقبة إسناده ليس بالقوى .