الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 67 من سورة المؤمنون
وقوله- تعالى- مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ مقرر لمضمون ما قبله، من إعراضهم عن آيات الله. ونكوصهم على أعقابهم عند سماعها.
والضمير في بِهِ يرى جمهور المفسرين أنه يعود إلى البيت الحرام، والباء للسببية.
وقوله: «سامرا» اسم جمع كحاج وحاضر وراكب، مأخوذ من السمر وأصله ظل القمر وسمى بذلك لسمرته، ثم أطلق على الحديث بالليل. يقال: سمر فلان يسمر- ككرم يكرم- إذا تحدث ليلا مع غيره بقصد المسامرة والتسلية.
وقوله: تَهْجُرُونَ قرأه الجمهور- بفتح التاء وضم الجيم- مأخوذ من الهجر- بإسكان الجيم- بمعنى الصد والقطيعة، أو من الهجر- بفتح الجيم- بمعنى الهذيان والنطق بالكلام الساقط، بسبب المرض أو الجنون.
وقرأ نافع تَهْجُرُونَ بضم التاء وكسر الجيم- مأخوذ من هجر هجارا إذا نطق بالكلام القبيح.
والمعنى: قد كانت آياتي تتلى عليكم- أيها المستغيثون من العذاب- فكنتم تعرضون عنها، ولم تكتفوا بهذا الإعراض، بل كنتم متكبرين على المسلمين بالبيت الحرام، وكنتم تتسامرون بالليل حوله، فتستهزئون بالقرآن، وبالرسول صلّى الله عليه وسلّم وبتعاليم الإسلام وتنطقون خلال سمركم بالقول الباطل، الذي يدل على مرض قلوبكم، وفساد عقولكم، وسوء أدبكم.
وقوله: مُسْتَكْبِرِينَ وسامِراً وتَهْجُرُونَ أحوال ثلاثة مترادفة على واو الفاعل في تَنْكِصُونَ أو متداخلة، بمعنى أن كل كلمة منها حال مما قبلها.
قال القرطبي: مُسْتَكْبِرِينَ حال، والضمير في بِهِ قال الجمهور: هو عائد على الحرم، أو المسجد، أو البلد الذي هو مكة. وإن لم يتقدم له ذكر لشهرته في الأمر.
أى: يقولون نحن أهل الحرم فلا نخاف. وقيل: المعنى أنهم يعتقدون في نفوسهم أن لهم بالمسجد والحرم أعظم الحقوق على الناس والمنازل فيستكبرون لذلك.
وقالت فرقة: الضمير عائد على القرآن، من حيث ذكرت الآيات.
والمعنى: يحدث لكم سماع آياتي كبرا وطغيانا فلا تؤمنوا بي ... » .
والمتأمل في هذه الآيات الكريمة، يراها تصور حسرة المشركين وجؤارهم يوم ينزل بهم العذاب تصويرا بديعا، كما تبين ما كانوا عليه من غرور وسوء أدب، مما جعلهم أهلا لهذا المصير الأليم.
ثم تنتقل السورة الكريمة من تأنيبهم وتيئيسهم من الاستجابة لجؤارهم، إلى سؤالهم بأسلوب توبيخي عن الأسباب التي أدت بهم إلى الإعراض عما جاءهم به رسولهم صلّى الله عليه وسلّم فتقول: