الوسيط للطنطاوي

تفسير الآية رقم 18 من سورة النمل

ثم حكى- سبحانه- ما قاتله نملة عند ما رأت هذا الجيش العظيم المنظم، فقال- تعالى-: حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ، قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ، لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ.
وحَتَّى هنا ابتدائية. أى: يبتدأ بها الكلام، وقوله قالَتْ نَمْلَةٌ جواب إذا.
وقوله: لا يَحْطِمَنَّكُمْ من الحطم، وأصله: كسر الشيء.. يقال: حطم فلان الشيء إذا كسره، والمراد به هنا: الإهلاك والقتل.
والمعنى: وحشر لسليمان جنوده، فسار هؤلاء الجنود في قوة ونظام، حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ أى: على مكان يعيش فيه النمل في مملكة سليمان قالَتْ نَمْلَةٌ على سبيل النصح والتحذير بعد أن رأت سليمان وجنوده: يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ أى:
ادخلوا أماكن سكناكم، وابتعدوا عن طريق هذا الجيش الكبير، وانجوا بأنفسكم، كي لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون بكم.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: لم عدى أَتَوْا بعلى؟ قلت: يتوجه على معنين:
أحدهما: أن إتيانهم كان من فوق، فأتى بحرف الاستعلاء ... والثاني: أن يراد قطع الوادي وبلوغ آخره، من قولهم أتى على الشيء إذا أنفده وبلغ آخره..
فإن قلت: لا يَحْطِمَنَّكُمْ ما هو؟ قلت: يحتمل أن يكون جوابا للأمر، وأن يكون نهيا بدلا من الأمر. والذي جوز أن يكون بدلا منه: أنه في معنى: لا تكونوا حيث أنتم فيحطمكم، على طريقة: لا أرينك هاهنا» .
أى: لا تحضر ها هنا بحيث أراك.