الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 17 من سورة القصص
ثم أكد موسى عليه السلام- للمرة الثالثة، توبته إلى ربه، وشكره إياه على نعمه، فقال: رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ.
والظهير: المعين لغيره والناصر له. يقال: ظاهر فلان فلانا إذا أعانه. ويطلق على الواحد والجمع. ومنه قوله- تعالى: وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ.
قال صاحب الكشاف: قوله بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ يجوز أن يكون قسما جوابه محذوف، تقديره: أقسم بإنعامك على بالمغفرة لأتوبن فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ وأن يكون استعطافا، كأنه قال: رب اعصمني بحق ما أنعمت على من المغفرة فلن أكون- إن عصمتني- ظهيرا للمجرمين.
وأراد بمظاهرة المجرمين إما صحبة فرعون وانتظامه في جملته، وتكثيره سواده، حيث كان يركب بركوبه، كالولد مع الوالد. وكان يسمى ابن فرعون. وإما مظاهرة من أدت مظاهرته إلى الجرم والإثم، كمظاهرة الإسرائيلى المؤدية إلى القتل الذي لم يحل له.. .
وهذه الضراعة المتكررة إلى الله- تعالى- من موسى- عليه السلام-، تدل على نقاء روحه، وشدة صلته بربه، وخوفه منه، ومراقبته له- سبحانه-، فإن من شأن الأخيار في كل زمان ومكان، أنهم لا يعينون الظالمين، ولا يقفون إلى جانبهم.
قال القرطبي: ويروى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: من مشى مع مظلوم ليعينه على مظلمته، ثبت الله قدميه على الصراط يوم القيامة، يوم تزل الأقدام، ومن مشى مع ظالم ليعينه على ظلمه، أزل الله قدميه على الصراط يوم تدحض فيه الأقدام .