الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 9 من سورة القصص
وقوله- سبحانه-: وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ، لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً ... بيان لما أنطق الله به امرأة فرعون للدفاع عن موسى- عليه السلام-.
قال الجمل: وامرأة فرعون هي: آسيا بنت مزاحم، وكانت من خيار النساء، ومن بنات الأنبياء، وكانت أما للمساكين ترحمهم وتتصدق عليهم .
ويكفى في مدحها قوله- تعالى-: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ، وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
أى: وقالت امرأة فرعون بعد أن أخرج موسى من التابوت، ورأته بين أيدى فرعون وآله: قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ أى: هذا الطفل هو قرة عين لي ولك، أى: هو محل السرور والفرح لعيني ولعينك يا فرعون.
فالجملة الكريمة كناية عن السرور به، إذ لفظ قُرَّتُ مأخوذ من القرار بمعنى الاستقرار، وذلك لأن العين إذا رأت ما تحبه، استقر نظرها عليه، وانشغلت به عن غيره.
ثم أضافت إلى ذلك قولها لا تَقْتُلُوهُ والخطاب لفرعون وجنده.
ثم عللت النهى عن قتله بقولها: عَسى أَنْ يَنْفَعَنا في مستقبل حياتنا، فنجني من ورائه خيرا.
أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً لنا، فإن هيئته وصورته تدل على النجابة والجمال واليمن وهكذا شاءت إرادة الله- تعالى-، أن تجعل امرأة فرعون، سببا في إنقاذ موسى من القتل، وفي أن يعيش في بيت فرعون، ليكون له في المستقبل عدوا وحزنا.
وقوله- تعالى-: وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ جملة حالية، أى: فعلوا ما فعلوا والحال أنهم لا يشعرون أن هلاكهم سيكون على يديه.
والظاهر أن هذه الجملة من كلام الله- تعالى-، وليست حكاية لما قالته امرأة فرعون.