الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 1 من سورة لقمان
مقدّمة
1- سورة لقمان هي السورة الحادية والثلاثون في ترتيب المصحف، أما ترتيبها في النزول فهي السورة السادسة والخمسون من بين السور المكية، وكان نزولها بعد سورة الصافات .
وعدد آياتها: أربع وثلاثون آية. وقد ذكر الإمام ابن كثير وغيره أنها مكية، دون أن يستثنى شيئا منها.
وقال الآلوسى ما ملخصه: أخرج ابن الضريس، وابن مردويه، عن ابن عباس أنه قال: أنزلت سورة لقمان بمكة ... وفي رواية عنه: أنها مكية إلا ثلاث آيات تبدأ بقوله- تعالى-: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ .
2- وتبدأ السورة الكريمة، بالثناء على القرآن الكريم، وعلى المؤمنين الذين يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، وهم بالآخرة هم يوقنون.
ثم تنتقل إلى الحديث عن جانب من صفات المشركين، الذين يستهزئون بآيات الله- تعالى-، ويعرضون عنها، وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها، كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً، فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ.
ثم ساقت أدلة متعددة على وحدانية الله- تعالى- وقدرته، قال- تعالى-: خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها، وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ، وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ، وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ. هذا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ، بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ.
3- ثم قص علينا- سبحانه- تلك الوصايا الحكيمة، التي أوصى بها لقمان ابنه، والتي اشتملت على ما يهدى إلى العقيدة السليمة، وإلى الأخلاق الكريمة، وإلى مراقبة الخالق- عز وجل- وإلى أداء العبادات التي كلفنا- سبحانه- بها.
ومن هذه الوصايا قوله- سبحانه-: يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ، وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ، إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ. وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً، إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ. وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ، وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ، إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ.
4- ثم بين- سبحانه- ألوانا من نعمه على عباده، منها ما يتعلق بخلق السموات، ومنها ما يتعلق بخلق الأرض، كما بين- عز وجل- أن علمه محيط بكل شيء، وأنه لا نهاية له.. قال- تعالى-: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ، ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ، إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ.
5- ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة، بدعوة الناس جميعا إلى تقواه- عز وجل- وإلى بيان الأمور الخمسة التي لا يعلمها إلا هو- سبحانه- فقال: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ، وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً، إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ، فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا، وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ. إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ، وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ، وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ، وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً، وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ.
6- هذا، والمتأمل في هذه السورة الكريمة، يراها قد خاطبت النفس البشرية، بما من شأنه أن يسعدها ويحييها حياة طيبة.
إنها قد بينت أوصاف المؤمنين الصادقين، وأوصاف أعدائهم: وبينت عاقبة الأخيار وعاقبة الأشرار، ووضحت تلك الوصايا الحكيمة التي أوصى بها لقمان ابنه وأحب الناس إليه، وساقت أنواعا من النعم التي أنعم بها- سبحانه- على عباده، وبينت أن هناك أمورا لا يعلمها إلا الله- تعالى- وحده.
وقد ساقت السورة ما ساقت من هدايات، بأسلوب بليغ مؤثر، يرضى العواطف، ويقنع العقول..
نسأل الله- تعالى- أن يجعل القرآن ربيع قلوبنا، وأنس نفوسنا.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
سورة لقمان من السور التى بدئت ببعض حروف التهجى . .
وقد فصلنا القول فى معانيها ، عند تفسيرنا لسور : البقرة ، وآل عمران وغيرهما .
وقلنا فى نهاية سردنا لأقوال العلماء فى ذلك : ولعل أقرب الأقوال إلى الصواب أن يقال : إن هذه الحروف المقطعة ، قد وردت فى افتتاح بعض السور ، للإِشعار بأن هذا القرآن الذى تحدى الله به المشركين ، هو من جنس الكلام المركب من هذه الحروف التى يعرفونها . فإذا عجزوا عن الإِتيان بسورة من مثله ، فذلك لبلوغه فى الفصاحة والحكمة ، مرتبة يقف فصحاؤهم وبلغاؤهم دونها بمراحل شاسعة .